أتاك زيد وإذا قال: لما يأتني فمعناه أنه لم يأتني بعد وأنا أتوقعه قال النابغة:
أزف الترحل غير أن ركابنا * لما تزل برحالنا وكأن قد فعلى هذا قوله: * (ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم) * يدل على أن إتيان ذلك متوقع منتظر.
المسألة الثالثة: قال ابن عباس: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، اشتد الضرر عليهم، لأنهم خرجوا بلا مال، وتركوا ديارهم وأموالهم في أيدي المشركين، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى تطييبا لقلوبهم * (أم حسبتم) * وقال قتادة والسدي: نزلت في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والحزن، وكان كما قال سبحانه وتعالى: * (وبلغت القلوب الحناجر) * (الأحزاب: 10) وقيل نزلت في حرب أحد لما قال عبد الله بن أبي لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: إلى متى تقتلون أنفسكم وترجون الباطل ولو كان محمد نبيا لما سلط الله عليكم الأسر والقتل، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
واعلم أن تقدير الآية: أم حسبتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة بمجرد الإيمان بي وتصديق رسولي، دون أن تعبدوا الله بكل ما تعبدكم به، وابتلاكم بالصبر عليه، وأن ينالكم من أذى الكفار، ومن احتمال الفقر والفاقة، ومكابدة الضر والبؤس في المعيشة، ومقاساة الأهوال في مجاهدة العدو، كما كان كذلك من قبلكم من المؤمنين، وهو المراد من قوله: * (ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم) * والمثل هو المثل وهو الشبه، وهما لغتان: مثل ومثل كشبه وشبه، إلا أن المثل مستعار لحالة غريبة أو قصة عجيبة لها شأن ومنه قوله تعالى: * (ولله المثل الأعلى) * (النحل: 60) أي الصفة التي لها شأن عظيم.
واعلم أن في الكلام حذفا تقديره: مثل محنة الذين من قبلكم، وقوله: * (مستهم) * بيان للمثل، وهو استئناف كأن قائلا قال: فكيف كان ذلك المثل؟ فقال: * (مستهم البأساء والضراء وزلزلوا) * (البقرة: 214).
أما * (البأساء) * فهو اسم من البؤس بمعنى الشدة وهو الفقر والمسكنة ومنه يقال فلان في بؤس وشدة.
وأما * (الضراء) * فالأقرب فيه أنه ورود المضار عليه من الآلام والأوجاع وضروب الخوف، وعندي أن البأساء عبارة عن تضييق جهات الخير والمنفعة عليه، والضراء عبارة عن انفتاح جهات الشر والآفة والألم عليه.
وأما قوله: * (وزلزلوا) * أي حركوا بأنواع البلايا والرزايا قال الزجاج: أصل الزلزلة في اللغة من أزال الشيء عن مكانه فإذا قلت: زلزلته فتأويله أنك كررت تلك الإزالة فضوعف لفظه بمضاعفة معناه، وكل ما كان فيه تكرير كررت فيه فاء الفعل، نحو صر، وصرصر، وصل