تفسير الرازي - الرازي - ج ٦ - الصفحة ٦
إن كل واحد منهم كان يزين للآخر، وحينئذ يصير دورا فثبت أن الذين يزين الكفر لجميع الكفار لا بد وأن يكون مغايرا لهم، فبطل قوله: إن المزين هم غواة الجن والإنس، وذلك لأن هؤلاء الغواة داخلون في الكفار أيضا، وقد بينا أن المزين لا بد وأن يكون غيرهم، فثبت أن هذا التأويل ضعيف، وأما قوله: المزين للشيء هو المخبر عن حسنه فهذا ممنوع، بل المزين من يجعل الشيء موصوفا بالزينة، وهي صفات قائمة بالشيء باعتبارها يكون الشيء مزينا، وعلى هذا التقدير سقط كلامه، ثم إن سلمنا أن المزين للشيء هو المخبر عن حسنه، فلم لا يجوز أن يقال: الله تعالى أخبر عن حسنه، والمراد أنه تعالى أخبر عما فيها من اللذات والطيبات والرحات، والإخبار عن ذلك لس بكذب، والتصديق بها ليس بكفر، فسقط كلام أبي علي في هذا الباب بالكلية.
التأويل الثاني: قال أبو مسلم: يحتمل في * (زين للذين كفروا) * أنهم زينوا لأنفسهم والعرب يقولون لمن يبعد منهم: أين يذهب بك لا يريدون أن ذاهبا ذهب به وهو معنى قوله تعالى في الآي الكثيرة: * (أنى يؤفكون) * (المائدة: 75، التوبة: 30، المنافقون: 4)، * (أنى يصرفون) * (غافر: 69) إلى غير ذلك، وأكده بقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) * (المنافقون: 9) فأضاف ذلك إليهما لما كانا كالسبب، ولما كان الشيطان لا يملك أن يحمل الإنسان على الفعل قهرا فالإنسان في الحقيقة هو الذي زين لنفسه، واعلم أن هذا ضعيف، وذلك لأن قوله: * (زين) * يقضي أن مزينا زينه، والعدول عن الحقيقة إلى المجاز غير ممكن.
التأويل الثالث: أن هذا المزين هو الله تعالى ويدل على صحة هذا التأويل وجهان أحدهما: قراءة من قرأ * (زين للذين كفروا الحياة الدنيا) * على البناء للفاعل الثاني: قوله تعالى: * (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا) * (الكهف: 7) ثم القائلون بهذا التأويل ذكروا وجوها الأول: يمتنع أن يكون تعالى هو المزين بما أظهره في الدنيا من الزهرة والنضارة والطيب واللذة، وإنما فعل ذلك ابتلاء لعباده، ونظيره قوله تعالى: * (زين للناس حب الشهوات) * (آل عمران: 14) إلى قوله: * (قل أأنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات) * (آل عمران: 15) وقال أيضا: * (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) * (الكهف: 46) وقالوا: فهذه الآيات متوافقة، والمعنى في الكل أن الله جل جلاله جعل الدنيا دار ابتلاء وامتحان، فركب في الطباع الميل إلى اللذات وحب الشهوات لا على سبيل الإلجاء الذي لا يمكن تركه، بل على سبيل التحبيب الذي تميل إليه النفس مع إمكان ردها عنه ليتم بذلك الإمتحان، وليجاهد المؤمن هواه فيقصر نفسه على المباح ويكفها عن الحرام الثاني: أن المراد من التزيين أنه تعالى أمهلهم في الدنيا، ولم يمنعهم عن الإقبال عليها، والحرص الشديد
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 قوله تعالى (سل بني إسرائيل كم آتيناهم) 2
2 قوله تعالى (ومن يبدل نعمة الله) 3
3 قوله تعالى (زين للذين كفروا الحياة الدنيا) 4
4 قوله تعالى (ويسخرون من الذين آمنوا) 7
5 قوله تعالى (والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة) 8
6 قوله تعالى (والله يرزق من يشاء) 9
7 قوله تعالى (كان الناس أمة واحدة) 11
8 قوله تعالى (ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) 16
9 قوله تعالى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة) 18
10 قوله تعالى (ولما يأتكم مثل الذين خلوا) 19
11 قوله تعالى (يسألونك ماذا ينفقون) 23
12 قوله تعالى (كتب عليكم القتال) 27
13 قوله تعالى (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) 28
14 قوله تعالى (يسألونك عن الشهر الحرام 30
15 قوله تعالى (إن الذين آمنوا والذين هاجروا) الآية 40
16 قوله تعالى (يسألونك عن الخمر والميسر) 42
17 قوله تعالى (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) 50
18 ذم الخمر وذكر مضارها (بالهامش) للمصحح 50
19 قوله تعالى (ويسألونك عن اليتامى) 53
20 قوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) الآية 57
21 قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض) 66
22 قوله تعالى (نساؤكم حرث لكم) الآية 75
23 قوله تعالى (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم) الآية 79
24 قوله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) الآية 81
25 قوله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم) 85
26 قوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن) الآية 91
27 قوله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن) 99
28 قوله تعالى (وللرجال عليهن درجة) 101
29 قوله تعالى (الطلاق مرتان) 102
30 قوله تعالى (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا) 105
31 قوله تعالى (ألا أن يخافا ألا يقيما حدود الله) 107
32 قوله تعالى (فان طلقها فلا تحل له من بعد) 111
33 قوله تعالى (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) 115
34 قوله تعالى (ولا تمسكوا ضرارا) 117
35 قوله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن) 124
36 قوله تعالى (وعلى المولود له رزقهن) 128
37 قوله تعالى (لا تضار والدة بولدها) 129
38 قوله تعالى (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم) 132
39 عدة الوفاة 133
40 قوله تعالى (والذين يتوفون منكم) 133
41 قوله تعالى (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به) 138
42 قوله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح 142
43 حكم المطلقة قبل الدخول قوله تعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) 144
44 قوله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) 150
45 قوله تعالى (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) 155
46 قوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) 168
47 قوله تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف) 172
48 قوله تعالى (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) 172
49 قوله تعالى (إن الله لذو فضل على الناس) 176
50 قوله تعالى (وقاتلوا في سبيل الله) 177
51 قوله تعالى (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا 177
52 قصة طالوت 181
53 قوله تعالى (ألم تر إلى الملا من بني إسرائيل) 181
54 قوله تعالى (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) 184
55 قوله تعالى (وقال لهم نبيهم إن آية ملكه) 187
56 قوله تعالى (فلما فصل طالوت بالجنود) 191
57 قوله تعالى (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) 197
58 قوله تعالى (فهزموهم باذن الله) 200
59 قوله تعالى (وآتاه الملك والحكمة) 201
60 قوله تعالى (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) الآية 207
61 قوله تعالى (ورفع بعضهم درجات) 215
62 قوله تعالى (ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم) 218
63 قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم) الآية 220