لأن من عادة القرآن أن يكون بيان التوحيد وبيان الوعظ والنصيحة وبيان الأحكام مختلطا بعضها بالبعض، ليكون كل واحد منها مقويا للآخر ومؤكدا له. الحكم الأول فيما يتعلق بالنفقة هو هذه الآية وفيه مسائل المسألة الأولى: قال عطاء: عن ابن عباس نزلت هذه الآية في رجل أتى للنبي عليه الصلاة والسلام فقال إن لي دينارا فقال: أنفقه على نفسك قال: إن لي دينارين قال: أنفقهما على أهلك قال: إن لي ثلاثة قال: أنفقها على خادمك قال: إن لي أربعة قال: أنفقها على والديك قال: إن لي خمسه قال: أنفقها على قرابتك قال إن لي ستة قال: أنفقها في سبيل الله وهو أحسنها: وروى الكلبي عن ابن عباس أن الآية نزلت عن عمرو بن الجموح وكان شيخا كبيرا هرما، وهو الذي قتل يوم أحد وعنده مال عظيم، فقال: ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها فنزلت هذه الآية.
المسألة الثانية: للنحويين في * (ماذا) * قولان أحدهما: أن يجعل * (ما) * مع * (ذا) * بمنزلة اسم واحد ويكون الموضع نصبا بينفقون، والدليل عليه أن العرب يقولون: عماذا تسأل؟ بإثبات الألف في * (ما) * فلولا أن * (ما) * مع * (ذا) * بمنزلة اسم واحد لقالوا: عماذا تسأل؟ بحذف الألف كما حذفوها من قوله تعالى: * (عم يتساءلون) * (النبأ: 1) وقوله: * (فيم أنت من ذكراها) * (النازعات: 43) فلما لم يحذفوا الألف من آخر * (ما) * علمت أنه مع * (ذا) * بمنزلة اسم واحد ولم يحذفوا الألف منه لما لم يكن آخر الاسم والحذف يلحقها إذا كان آخرا إلا أن يكون في شعر كقوله:
غلاما قام يشتمني لئيم * كخنزير تمرغ في رماد والقول الثاني: أن يجعل * (ذا) * بمعنى الذي ويكون * (ما) * رفعا بالابتداء خبرها * (ذا) * والعرب قد يستعملون * (ذا) * بمعنى الذي، فيقولون: من ذا يقول ذاك؟ أي من ذا الذي يقول ذاك، فعلى هذ يكون تقدير الآية: يسألونك ما الذي ينفقون.
المسألة الثالثة: في الآية سؤال، وهو أن القوم سألوا عما ينفقون لا عمن تصرف النفقة إليهم، فكيف أجابهم بهذا؟.
والجواب عنه من وجوه أحدها: أنه حصل في الآية ما يكون جوابا عن السؤال وضم إليه زيادة بها يكمل ذلك المقصود، وذلك لأن قوله: * (ما أنفقتم من خير) * جواب عن السؤال، ثم إن ذلك الإنفاق لا يكمل إلا إذا كان مصروفا إلى جهة الاستحقاق، فلهذا لما ذكر الله تعالى الجواب أردفه بذكر المصرف تكميلا للبيان وثانيها: قال القفال: إنه وإن كان السؤال واردا