لكل واحد منهما بإضرار الولد إضرار الآخر، فكان ذلك في الحقيقة مضارة.
المسألة الثالثة: قوله: * (لا تضار والدة بولدها) * وإن كان خبرا في الظاهر، لكن المراد منه النهي، وهو يتناول إساءتها إلى الولد بترك الرضاع، وترك التعهد والحفظ.
وقوله: * (ولا مولود له بولده) * يتناول كل المضار، وذلك بأن يمنع الوالدة أن ترضعه وهي به أرأف وقد يكون بأن يضيق عليها النفقة والكسوة أو بأن يسيء العشرة فيحملها ذلك على إضرارها بالولد، فكل ذلك داخل في هذا النهي والله أعلم.
أما قوله تعالى: * (وعلى الوارث مثل ذلك) * فاعلم أنه لما تقدم ذكر الولد وذكر الوالد وذكر الوالدات احتمل في الوارث أن يكون مضافا إلى واحد من هؤلاء، والعلماء لم يدعوا وجها يمكن القول به إلا وقال به بعضهم.
فالقول الأول: وهو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن المراد وارث الأب، وذلك لأن قوله: * (وعلى الوارث مثل ذلك) * معطوف على قوله: * (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) * وما بينهما اعتراض لبيان المعروف، والمعنى أن المولود له إن مات فعلى وارثه مثل ما وجب عليه من الرزق والكسوة، يعني إن مات المولود له لزم وارثه أن يقوم مقامه في أن يرزقها ويكسوها بالشرط المذكور، وهو رعاية المعروف وتجنب الضرار، قال أبو مسلم الأصفهاني هذا القول ضعيف، لأنا إذا حملنا اللفظ على وارث الولد والولد أيضا وارثه، أدى إلى وجوب نفقته على غيره، حال ماله مال ينفق منه وإن هذا غير جائز، ويمكن أن يجاب عنه بأن الصبي إذا ورث من أبيه مالا فإنه يحتاج إلى من يقوم بتعهده وينفق ذلك المال عليه بالمعروف، ويدفع الضرار عنه، وهذه الأشياء يمكن إيجابها على وارث الأب.
القول الثاني: أن المراد وارث الأب يجب عليه عند موت الأب كل ما كان واجبا على الأب وهذا قول الحسن وقتادة وأبي مسلم والقاضي، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا في أنه أي وارث هو؟ فقيل: هو العصبات دون الأم، والأخوة من الأم، وهو قول عمر والحسن ومجاهد وعطاء وسفيان وإبراهيم وقيل: هو وارث الصبي من الرجال والنساء على قدر النصيب من الميراث، وهو قول قتادة وابن أبي ليلى، قالوا: النفقة على قدر الميراث، وقيل: الوارث ممن كان ذا رحم محرم دون غيرهم من ابن العم والمولى وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، واعلم أن ظاهر الكلام يقتضي أن لا فضل بين وارث ووارث، لأنه تعالى أطلق اللفظ فغير ذي الرحم بمنزلة ذي الرحم، كما أن البعيد كالقريب، والنساء كالرجال، ولولا أن الأم خرجت من ذلك من حيث مر ذكرها بإيجاب الحق