فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يتوفون معناه يموتون ويقبضون قال الله تعالى: * (الله يتوفى الأنفس حين موتها) * (الزمر: 42) وأصل التوفي أخذ الشيء وافيا كاملا، فمن مات فقد وجد عمره وافيا كاملا، ويقال: توفي فلان، وتوفي إذا مات، فمن قال: توفي. كان معناه قبض وأخذ ومن قال: توفى. كان معناه توفى أجله واستوفى أكله وعمره وعليه قراءة علي عليه السلام يتوفون بفتح الياء.
وأما قوله: * (ويذرون) * معناه: يتركون، ولا يستعمل منه الماضي ولا المصدر استغناء عنه يترك تركا، ومثله يدع في رفض مصدره وماضيه، فهذان الفعلان العابر والأمر منهما موجودان، يقال: فلان يدع كذا ويذر ويقال: دعه وذره أما الماضي والمصدر فغير موجودين منهما والأزواج ههنا النساء والعرب تسمي الرجل زوجا وامرأته زوجا له، وربما ألحقوا بها الهاء.
المسألة الثانية: قوله: * (والذين) * مبتدأ ولا بد له من خبر، واختلفوا في خبره على أقوال الأول: أن المضاف محذوف والتقدير، وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن والثاني: وهو قول الأخفش التقدير: يتربصن بعدهم إلا أنه أسقط لظهوره كقوله: السمن منوان بدرهم وقوله تعالى: * (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) * (الشورى: 43) والثالث: وهو قول المبرد: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا، أزواجهم يتربصن، قال: وإضمار المبتدأ ليس بغريب قال تعالى: * (قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار) * (الحج: 72) يعني هو النار، وقوله: * (فصبر جميل) * (يوسف: 18).
فإن قيل: أنتم أضمرتم ههنا مبتدأ مضافا، وليس ذلك شيئا واحدا بل شيئان، والأمثلة التي ذكرتم المضمر فيها شيء واحد.
قلنا: كما ورد إضمار المبتدأ المفرد، فقد ورد أيضا إضمار المبتدأ المضاف، قال تعالى: * (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل) * (آل عمران: 196، 197) والمعنى: تقلبهم متاع قليل الرابع: وهو قول الكسائي والفراء، أن قوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم) * مبتدأ، إلا أن الغرض غير متعلق ههنا ببيان حكم عائد إليهم، بل ببيان حكم عائد إلى أزوجهم، فلا جرم لم يذكر لذلك المبتدأ خبرا، وأنكر المبرد