من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر) وذلك لان من حق الوعظ أن يتضمن التحذير من المخالفة، كما يتضمن الترغيب في الموافقة، فكانت الآية تهديدا من هذا الوجه، وفى الآية سؤالان:
(السؤال الأول) لم وحد الكاف في قوله تعالى ذلك مع أنه يخاطب جماعة؟
والجواب: هذا جائز في اللغة، والتثنية أيضا جائزة، والقرآن نزل باللغتين جميعا، قال تعالى (ذلكما مما علمني ربى) وقال (فذلكن الذي لمتنني فيه) وقال (يوعظ به) وقال (ألم أنهكما عن تلكما الشجرة) (السؤال الثاني) لم خصص هذا الوعظ بالمؤمنين دون غيرهم؟
الجواب: لوجوه: أحدها: لما كان المؤمن هو المنتفع به حبسن تخصيصه به، كقوله (هدى للمتقين) وهو هدى للكل، كما قال (هدى للناس) وقال (انما أنت منذر من يخشاها، انما تنذر من اتبع الذكر) مع أنه كان منذر للكل، كما قال (ليكون للعالمين نذيرا). وثانيها: احتج بعضهم بهذه الآية على أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الدين، قالوا: والدليل عليه أن قوله ذلك إشارة إلى ما تقدم ذكره من بيان الاحكام، فلما خصص ذلك بالمؤمنين دل على أن التكليف بفروع الشرائع غير حاصل إلا في حق المؤمنين وهذا ضعيف، لأنه ثبت أن ذلك التكليف عام، قال تعالى (ولله على الناس حج البيت). وثالثها: أن أن بيان الاحكام وإن كان عاما في حق المكلفين، الا أن كون ذلك البيان وعظا مختص بالمؤمنين، لان هذه التكاليف انما توجب على الكفار على سبيل إثباتها بالدليل القاهر الملزم المعجز، أما المؤمن الذي يقر بحقيقتها، فإنها إنها تذكر له وتشرح له على سبيل التنبيه والتحذير، ثم قال (ذلكم أزكى لكم وأطهر) يقال: زكا الزرع إذا نما، فقوله (أزكى لكم) إشارة إلى استحقاق الثواب الدائم، وقوله (وأطهر) إشارة إلى إزالة الذنوب والمعاصي التي يكون حصولها سببا لحصول العقاب، ثم قال (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) والمعنى أن الكلف وأن كان يعلم وجه الصلاح في هذه التكاليف على الجملة، الا أن التفصيل في هذه الأمور غير معلوم والله تعالى عالم في كل ما أمر ونهى بالكمية والكيفية بحسب الواقع وبحسب التقدير، لأنه تعالى عالم بما لا نهاية له من المعلومات، فلما كان كذلك صح أن يقول (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) ويجوز أن يراد به، والله يعلم من يعمل على وفق هذه التكاليف، ومن لا يعمل بها وعلى جميع الوجوه فالمقصود من الآيات تقرير طريقة الوعد والوعيد.