بأنفسكم أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله (ص)، وذلك عند فراغ رسول الله (ص) من غزوه، فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله مر به عباد بن بشر بن قيس فليقتله، فقال رسول الله (ص): فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، لا، ولكن أذن بالرحيل، وذلك في ساعة لم يكن رسول الله (ص) يرتحل فيها، فارتحل الناس، وقد مشى عبد الله بن أبي إلى رسول الله (ص) حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه، فحلف بالله ما قلت ما قال، ولا تكلمت به وكان عبد الله بن أبي في قومه شريفا عظيما، فقال من حضر رسول الله (ص) من أصحابه من الأنصار: يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرجل، حدبا على عبد الله بن أبي، ودفعا عنه فلما استقل رسول الله (ص)، لقيه أسيد بن حضير، فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ثم قال: يا رسول الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها، فقال له رسول الله (ص) أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟ قال: فأي صاحب يا رسول الله؟ قال: عبد الله بن أبي، قال: وما قال؟ قال: زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل قال أسيد: فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال: يا رسول الله ارفق به، فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا. ثم مشى رسول الله (ص) بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يكن إلا أن وجدوا مس الأرض وقعوا نياما، وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي. ثم راح بالناس وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع، يقال له نقعاء فلما راح رسول الله (ص) هبت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوفوها، فقال رسول الله (ص): لا تخافوا فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بني قينقاع وكان من عظماء يهود، وكهفا للمنافقين قد مات ذلك اليوم، فنزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في عبد الله بن أبي ابن سلول، ومن كان معه على مثل أمره، فقال: إذا جاءك المنافقون فلما نزلت هذه السورة أخذ رسول الله (ص) بأذن زيد فقال: هذا الذي أوفى الله بأذنه، وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي الذي كان من أبيه.
(١٤٧)