ومن أجل ذلك فنحن لا نسوغ لأنفسنا ان نقبل حكما ما في تفسير نقطة حول القرآن الكريم، لمجرد انسجام هذا الحكم مع تلك النقطة، بل لا بد لنا ننظر أيضا - بشكل مسبق - إلى مدى انسجام الحكم مع التفسير الصحيح لوجود الظاهرة القرآنية نفسها.
إن الظاهرة القرآنية - كما سنشرحها في البحوث القادمة - ليست نتاجا شخصيا لمحمد (صلى الله عليه وآله) ومن ثم ليست نتاجا بشريا مطلقا، وانما هي نتاج الهي مرتبط بالسماء، وعلى هذا الأساس يمكننا ان نجزم بشكل مسبق ببطلان جميع الشبهات التي تثار حول المكي والمدني، لأنها في الحقيقة تفسيرات لظاهرة الفرق بين المكي والمدني على أساس أن القرآن الكريم نتاج بشري.
وبالاحرى يجب ان يقال: إن شبهات المكي والمدني ترتبط في الحقيقة بالشبهات التي أثيرت حول الوحي ارتباطا موضوعيا، لأنها ترتبط بفكرة انكار الوحي، ولكن مع ذلك - من اجل توضيح الحقيقة - قد نحتاج إلى مناقشة تفصيلية للشبهات التي أثيرت حول الوحي بشكل عام، وحول المكي والمدني بشكل خاص، لابراز نقاط الإثارة والتلاعب التي ذكرها المستشرقون، وبيان انسجام الظواهر القرآنية المختلفة مع ظاهرة الوحي الإلهي، ولذا فسوف نناقش هذه الشبهات بعد التحدث عنها لايضاح بطلانها من ناحية، وتقديم التفسير الصحيح للفرق بين المكي والمدني - بعد ذلك - من ناحية ثانية.
وللشبهة حول المكي والمدني جانبان: جانب يرتبط بالأسلوب القرآني فيها، وجانب آخر يرتبط بالمادة والموضوعات التي عرض القرآن لها في هذين القسمين، وفي كل من القسمين تصاغ الشبهة على عدة اشكال، نذكر منها صياغتين لكل واحد من القسمين: