الجانب الإلهي فيها وهو الايمان بوجود الله تعالى ووحدانيته وصفاته، وهذا جانب يمكن أن يعتمد في معرفته على العقل والدليل والبرهان.
والجانب الاخر الذي يعبر عن ارتباط الداعية (الرسول) بالله سبحانه وصدوره عن أمره تعالى، وهذا الجانب قد لا يمكن اثباته مبدئيا إلا عن طريق المعجزة (1)، فالمعجزة تعبير عن الاستجابة إلى الحاجة في هذا الجانب من الدعوة - كما شرحنا ذلك في بحث المعجزة - بخلاف الجانب الأول الذي يمكن فيه الاعتماد على أسلوب الأدلة والبراهين المنطقية والوجدانية.
وعلى هذا الأساس أيضا لم يترك الأنبياء هذه الأدلة المنطقية والوجدانية في مخاطبتهم للناس بالدعوة إلى الله وتوحيد الاله، ولم يكتفوا بالاتيان بالمعجزات على أساس أنها الدليل الوحيد لاثبات ذلك وإن كنا لا ننكر ما للمعجزة من تأثير كبير في الجانب الأول من العقيدة أيضا.
وفي قصة موسى نجد في الموضوعات التي تحدثت عنها القصة هذه الأساليب والأدلة وأكدتها في مواضع عديدة، حيث تناولت بعض الأدلة والبراهين التي اعتمدها موسى في مخاطبة فرعون إضافة إلى المعجزات.
بل نجد أن هذه المخاطبة (مخاطبة العقل والوجدان) جاءت قبل أن يستند موسى إلى دليل آخر من الآيات والمعجزات لان التسلسل المنطقي للتفكير والانفعال كان يفرض ذلك، فان النبي يخاطب العقل والوجدان في بداية الامر، ثم يعمل بعد ذلك على كسر الحواجز النفسية والروحية التي تمنع العقل والوجدان من الادراك والفهم.