فان هذه المواقف تعبر عن المحتوى الداخلي والشعور الانساني الذي كان يعيشه موسى (عليه السلام)، فهو يبادر لنجدة المظلوم بالرغم من تربيته في البيت الفرعوني المالك، هذه التربية التي كان من الممكن أن تعطيه الشعور بالتميز الطبقي الذي يختلف عن عمله الانساني هذا، ثم لا يكتفي بأن يرتكب ذلك مصادفة بل يندفع ليقوم بنفس العمل حين يجد من يستصرخه إليه مع شعوره بحراجة موقفه الاجتماعي نتيجة لهذا العمل.
وفي موقفه من ابنتي الشيخ نجد موسى تدفعه ذاته الخيرة النبيلة للسؤال عن تلكئهما في السقاية ويعرض المعاونة عليهما في حالة الحاجة إليها، ونجده يخف إلى تنفيذ ذلك دون أن ينتظر منهما أجرا أو مثوبة مادية، على الرغم من ظروفه الموضوعية الخاصة الصعبة.
الثالثة: القوة البدنية والشجاعة التي كان يتمتع بها موسى، ويكشف لنا عن ذلك موقفه من الفرعوني وقضاؤه عليه بوكزة واحدة، والالتزام الذي أخذه على نفسه بأن لا يكون ظهيرا للمجرمين حتى بعد قتله الفرعوني الأول وشعوره بحراجة موقفه، ووصف ابنة الشيخ له بأنه (قوي)، خصوصا إذا أخذنا بالتفسير الذي يقول: إن موسى حين سقى لابنتي الشيخ طرد السقاة عن البئر من أجل أن يعجل بالسقاية لهما.
وهذه الميزات الثلاث تحقق شروطا ضرورية لحمل أعباء الرسالة التي أراد الله سبحانه لنبيه موسى القيام بها، ولعل في الامداد الإلهي في قصة مولده ونجاته من الذبح عاملا جديدا في خلق الأجواء النفسية والاجتماعية والروحية والظروف المناسبة لتأهيل هذا الانسان لقيادة شعبه المضطهد.
وتمثل المرحلة الثانية مسؤوليتين:
إحداهما: هداية قوم فرعون إلى وحدانية الله والايمان بربوبيته.