وفي هذه السورة، إكمالا للبحث الذي تناولته الآيات السابقة، في إثارات وإشارات مختصرة ومعبرة حول تاريخ خمسة من الأقوام المعاندة إبتداء من قوم نوح كما في قوله تعالى: كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر. فمضافا إلى تكذيبه واتهامه بالجنون صبوا عليه ألوان الأذى والتعذيب ومنعوه من الاستمرار في أداء رسالته.
فتارة يقولون له مهددين ومنذرين قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين. (1) وتارة أخرى يضغطون رقبته بأيديهم حتى يفقد وعيه، ولكنه ما أن يفيق إلى وعيه حتى يقول: " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " (2).
وخلاصة القول فإن قوم نوح مارسوا كل وسيلة لأذى نبيهم، ومع ذلك فإنه لم يتوقف عن التبليغ والإرشاد أملا في هدايتهم.
والجدير بالذكر أننا نلاحظ أن لفظ (التكذيب) قد ورد مرتين، ولعل السبب أنه ورد في الحالة الأولى (مختصرا) وفي الثانية (مفصلا).
والتعبير ب " عبدنا " إشارة إلى أن هؤلاء القوم المعاندين والمغرورين في الواقع يبارزون الله تعالى لا مجرد شخص " نوح ".
كلمة (وازدجر) أصلها (زجر) بمعنى الطرد، وهو الإبعاد المقترن بصوت شديد، كما أنه يطلق على كل عمل يراد منه منع الشخص من الاستمرار به.
والظريف في هذه الآية أن الفعل (قالوا) أتى بصورة فعل معلوم (وازدجر) بصيغة فعل مجهول ولعل ذلك للإشارة إلى أن عدم ذكر الفاعل هنا للترفع عن ذكر قوم نوح بسبب سوء وقبح الأعمال التي مارسوها والتي كانت أقذر وأقبح من أقوالهم، مما يكون سببا في عدم ذكرهم بالصيغة المعلومة كما في قوله تعالى: