بها، وهي: ظلمة العقيدة الباطلة، وظلمة القول الخاطئ، وظلمة السلوك السئ، وبعبارة أخرى: إن أعمال غير المؤمنين أساسها الفكري ظلمات. وكذلك أقوالهم التي هي انعكاس لعقائدهم، ثم انسجامها مع أفعالهم الظلمانية.
وقال آخرون: إن هذه الظلمات الثلاث عبارة عن مراحل جهل غير المؤمنين، وأولها أنهم لا يعلمون، وثانيتها أنهم لا يعلمون بأنهم لا يعلمون، وثالثتها أنهم مع كل هذا يتصورون أنهم يعلمون، وبهذا يعيشون في جهل مركب دامس.
وقال البعض الآخر: إن أساس المعرفة - كما يقول القرآن المجيد - في ثلاثة أشياء: القلب والعين والأذن (وبالطبع يعني بالقلب العقل). كما جاء في الآية (78) من سورة النحل: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة (1). ولكن الكفار فقدوا بكفرهم نور العقل والسمع والبصر، فصاروا في ظلمات متراكمة.
ولا تناقض بين هذه التفاسير الثلاثة، كما هو واضح، إذ يمكن أن تشملهم هذه الآية جميعا.
وعلى كل حال، فيمكننا أن نصل إلى استنتاج عام من الآيتين السابقتين. فقد شبهت الآية أعمال غير المؤمنين بنور كاذب كسراب يراه ظمآن في صحراء جافة، لا يروي هذا السراب العطاشى أبدا، وإنما يزيد في سعيهم للحصول على الماء فيرهقهم دون نتيجة تذكر.
ثم ينتقل القرآن من الحديث عن هذا النور الكاذب، الذي هو عبارة عن أعمال المنافقين إلى باطن هذه الأعمال، الباطن المظلم والمخيف والموحش حيث تتعطل فيه حواس الإنسان، وتظلم عليه الدنيا حتى لا يرى نفسه، فكيف يمكنه رؤية الآخرين.