خطأ وغلطا فكيف بغيرها؟ ومع هذا الوصف كيف يمكن الاعتماد على شئ من العلوم والتصديقات المتعلقة بالخارج منا؟
ومنها: انا كلما قصدنا نيل شئ من الأشياء الخارجية لم ننل عند ذلك الا العلم به دون نفسه فكيف يمكن النيل لشئ من الأشياء؟ إلى غير ذلك من الوجوه.
والجواب عن الأول: أن هذا الاستدلال يبطل نفسه، فلو لم يجز الاعتماد على شئ من التصديقات لم يجز الاعتماد على المقدمات المأخوذة في نفس الاستدلال، مضافا إلى أن الاعتراف بوجود الخطأ وكثرته اعتراف بوجود الصواب بما يعادل الخطأ أو يزيد عليه، مضافا إلى أن القائل بوجود العلم لا يدعي صحة كل تصديق بل انما يدعيه في الجملة، وبعبارة أخرى يدعي الايجاب الجزئي في مقابل السلب الكلي والحجة لا تفي بنفي ذلك.
والجواب عن الثاني: أن محل النزاع وهو العلم حقيقته الكشف عن ما ورائه فإذا فرضنا أنا كلما قصدنا شيئا من الأشياء الخارجية وجدنا العلم بذلك اعترفنا بأنا كشفنا عنه حينئذ، ونحن إنما ندعي وجود هذا الكشف في الجملة، ولم يدع أحد في باب وجود العلم: انا نجد نفس الواقع وننال عين الخارج دون كشفه، وهؤلاء محجوجون بما تعترف به نفوسهم اعترافا اضطراريا في أفعال الحياة الاختيارية وغيرها، فإنهم يتحركون إلى الغذاء والماء عند احساس ألم الجوع والعطش، وكذا إلى كل مطلوب عند طلبه لا عند تصوره الخالي، ويهربون عن كل محذور مهروب عنه عند العلم بوجوده لا عند مجرد تصوره، وبالجملة كل حاجة نفسانية ألهمتها إليهم احساساتهم أوجدوا حركة خارجية لرفعها ولكنهم عند تصور تلك الحاجة من غير حاجة الطبيعة إليها لا يتحركون نحو رفعها، وبين التصورين فرق لا محالة، وهو ان أحد العلمين يوجده الانسان باختياره ومن عند نفسه والاخر انما يوجد في الانسان بايجاد أمر خارج عنه مؤثر فيه، وهو الذي يكشف عنه العلم، فاذن العلم موجود وذلك ما أردناه.
واعلم: أن في وجود العلم شكا قويا من وجه آخر وهو الذي وضع عليه أساس العلوم المادية اليوم من نفي العلم الثابت (وكل علم ثابت)، بيانه: ان البحث العلمي