الذي أشير إليه بقوله: (والذين يؤمنون بما انزل إليك وما انزل من قبلك) فالمراد بالايمان بالغيب في مقابل الايمان بالوحي والايقان بالآخرة، هو الايمان بالله تعالى ليتم بذلك الايمان بالأصول الثلاثة للدين، والقرآن يؤكد القول على عدم القصر على الحس فقط ويحرص على اتباع سليم العقل وخالص اللب.
وقوله سبحانه: وبالآخرة هم يوقنون، العدول في خصوص الاذعان بالآخرة عن الايمان إلى الايقان، كأنه للإشارة إلى أن التقوى لا تتم إلا مع اليقين بالآخرة الذي لا يجامع نسيانها، دون الايمان المجرد، فان الانسان ربما يؤمن بشئ ويذهل عن بعض لوازمه فيأتي بما ينافيه، لكنه إذا كان على علم وذكر من يوم يحاسب فيه على الخطير واليسير من أعماله لا يقتحم معه الموبقات ولا يحوم حوم محارم الله سبحانه البتة قال تعالى: (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) ص - 26. فبين تعالى: ان الضلال عن سبيل الله انما هو بنسيان يوم الحساب، فذكره واليقين به ينتج التقوى.
وقوله تعالى: أولئك على هدى من ربهم، الهداية كلها من الله سبحانه، لا ينسب إلى غيره البتة الا على نحو من المجاز كما سيأتي إن شاء الله، ولما وصفهم الله سبحانه بالهداية وقد قال في نعتها: (فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره): الانعام - 125، وشرح الصدر سعته وهذا الشرح، يدفع عنه كل ضيق وشح، وقد قال تعالى:
(ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) الحشر - 9، عقب سبحانه ههنا أيضا قوله: أولئك على هدى من ربهم، بقوله: وأولئك هم المفلحون الآية.
(بحث روائي) في المعاني عن الصادق عليه السلام: في قوله تعالى: الذين يؤمنون بالغيب، قال: من آمن بقيام القائم عليه السلام انه حق.
أقول: وهذا المعنى مروي في غير هذه الرواية وهو من الجرى.