وشهادة الشاهدين - إذا صحت أخبارها - إنما هي لرفع هذه الاحتمالات التي تعرض من سهو القارئ أو من عمده، على أن عجز البشر عن الاتيان بسورة من مثل القرآن لا ينافي قدرتهم على الاتيان بآية، أو ما يشبه الآية، فإن ذلك أمر ممكن، ولم يدع المسلمون استحالة ذلك، ولم يذكره القرآن عند التحدي بالمعارضة.
ثانيا: إن هذه الأخبار التي دلت على جمع القرآن في عهد أبى بكر بشهادة شاهدين من الصحابة، كلها أخبار آحاد: لا تصلح أن تكون دليلا في أمثال ذلك.
ثالثا: إنها معارضة بأخبار كثيرة دلت على أن القرآن قد جمع في عهد النبي - ص - وكان كثير من الصحابة يحفظ جميع القرآن. وأما الحافظون منهم لبعض سوره وأجزائه فلا يعلم عددهم إلا الله تعالى. على أن النظرة العقلية البسيطة تشهد بكذب تلك الأخبار التي استدل بها الخصم. فإن القرآن هو السبب الأعظم في هداية المسلمين، وفي خروجهم من ظلمات الشقاء والجهل إلى نور السعادة والعلم، وقد بلغ المسلمون في العناية بالقرآن الدرجة القصوى، فقد كانوا يتلون آياته آناء الليل وأطراف النهار، وكانوا يتفاخرون في حفظه واتقانه ويتبركون بسوره وآياته، والنبي يحثهم على ذلك. فهل يحتمل عاقل بعد هذا كله أن يقع الشك فيه عندهم حتى يحتاج إثباته إلى شاهدين؟. وسنثبت - إن شاء الله تعالى - فيما يأتي ان القرآن كان مجموعا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا:
9 - إن للقرآن أسلوبا يباين أساليب البلغاء المعروفة، فقد خلط بين المواضيع المتعددة، فبينا هو يتكلم في التاريخ إذا به ينتقل إلى الوعد والوعيد، إلى الحكم والأمثال، إلى جهات أخرى. ولو كان القرآن مبوبا يجمع في كل موضوع ما يتصل به من الآيات، لكانت فائدته أعظم، وكانت الاستفادة منه أسهل.