وإذا أمكنه ذلك أمكنه أن يأتي بمثل القرآن، لان حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد.
الجواب:
إن هذه الشبهة لا تليق بالذكر، فإن القدرة على الاتيان بمثل كلمة من كلمات القرآن، بل على الاتيان بمثل جملة من جمله لا تقتضي القدرة على الاتيان بمثل القرآن، أو بمثل سورة من سوره، فإن القدرة على المادة لا تستلزم القدرة على التركيب. ولهذا لا يصح لنا أن نقول: إن كل فرد من أفراد البشر قادر على بناء القصور الفخمة، والصروح الضخمة، لأنه قادر على وضع آجرة في البناء، أو نقول: إن كل عربي قادر على إنشاء الخطب والقصائد، لأنه قادر على أن يتكلم بكل كلمة من كلماتها ومفرداتها. وكأن هذه الشبهة هي التي دعت " النظام " وأصحابه إلى القول بأن إعجاز القرآن بالصرفة.
وهذا القول في غاية الضعف:
أولا: لان الصرفة التي يقولون بها، إن كان معناها أن الله قادر على أن يقدر بشرا على أن يأتي بمثل القرآن، ولكنه تعالى صرف هذه القدرة من جميع البشر، ولم يؤتها لاحد منهم فهو معنى صحيح، ولكنه لا يختص بالقرآن، بل هو جار في جميع المعجزات. وإن كان معناها أن الناس قادرون على أن يأتوا بمثل القرآن، ولكن الله صرفهم عن معارضته فهو واضح البطلان، لان كثيرا من الناس تصدوا لمعارضة القرآن، فلم يستطيعوا ذلك، واعترفوا بالعجز.
ثانيا: لأنه لو كان إعجاز القرآن بالصرفة لوجد في كلام العرب السابقين مثله قبل أن يتحدى النبي البشر، ويطالبهم بالاتيان بمثل القرآن، ولو وجد ذلك لنقل وتواتر، لتكثر الدواعي إلى نقله، وإذ لم يوجد ولم ينقل كشف ذلك عن كون القرآن بنفسه إعجازا إلهيا، خارجا عن طاقة البشر. وقالوا: