وكفى بالقرآن دليلا على كونه وحيا إلهيا أنه المدرسة الوحيدة التي تخرج منها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذي يفتخر بفهم كلماته كل عالم نحرير وينهل من بحار علمه كل محقق متبحر. وهذه خطبه في نهج البلاغة، فإنه حينما يوجه كلامه فيها إلى موضوع لا يدع فيه مقالا لقائل، حتى ليخال من لا معرفة له بسيرته أنه قد قضى عمره في تحقيق ذلك الموضوع والبحث عنه، فمما لا شك فيه أن هذه المعارف والعلوم متصلة بالوحي، ومقتبسة من أنواره، لان من يعرف تاريخ جزيرة العرب - ولا سيما الحجاز - لا يخطر بباله أن تكون هذه العلوم قد أخذت عن غير منبع الوحي. ولنعم ما قيل في وصف نهج البلاغة: " أنه دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوقين ".
بل أعود فأقول: إن تصديق علي عليه السلام - وهو على ما عليه من البراعة في البلاغة، والمعارف وسائر العلوم - لاعجاز القرآن هو بنفسه دليل على أن القرآن وحي إلهي، فإن تصديقه بذلك لا يجوز أن يكون ناشئا عن الجهل والاغترار، كيف وهو رب الفصاحة والبلاغة، واليه تنتهي جميع العلوم الاسلامية وهو المثل الاعلى في المعارف، وقد اعترف بنبوغه وفضله المؤالف والمخالف.
وكذلك لا يجوز أن يكون تصديقه هذا تصديقا صوريا ناشئا عن طلب منفعة دنيوية من جاه أو مال، كيف وهو منار الزهد والتقوى، وقد أعرض عن الدنيا وزخارفها، ورفض زعامة المسلمين حين اشترط عليه أن يسير بسيرة الشيخين، وهو الذي لم يصانع معاوية بإبقائه على ولايته أياما قليلة، مع علمه بعاقبة الامر إذا عزله عن الولاية. وإذن فلا بد من أن يكون تصديقه بإعجاز القرآن تصديقا حقيقيا، مطابقا للواقع، ناشئا عن الايمان الصادق. وهذا هو الصحيح، والواقع المطلوب.