الذي يستحيل عليه الاستكمال. وفعله إنما هو إحسان محض يرجع نفعه إلى المخلوقين. وأما الفعل الحسن الصادر من غيره فهو وإن كان إحسانا إلى أحد في بعض الأحيان، إلا أنه إحسان إلى نفسه أولا وبالذات، وبه يدرك كماله:
" إن أحسنتم أحسنت لأنفسكم 17: 7 ".
فالاحسان المحض إنما هو فعل الله تعالى لا غير فهو المستحق للحمد دون غيره وإلى ذلك أشير بجملة: " الرحمن الرحيم ".
ثم إن الثناء على الفعل الجميل قد يكون ناشئا عن إدراك الحامد حسن ذات الفاعل وصفاته من دون نظر إلى إنعامه، أو الرغبة فيه، أو الرهبة منه. وقد يكون ناشئا عن النظر إلى أحد هذه الأمور الثلاثة، فقد أشير إلى المنشأ الأول بجملة: " الحمد لله " فالحامد يحمده تعالى بما أنه مستحق للحمد في ذاته، وبما أنه مستجمع لجميع صفات الكمال منزه عن جميع جهات النقص. وأشير إلى المنشأ الثاني بجملة: " رب العالمين " فإنه المنعم على عباده بالخلق والايجاد، ثم بالتربية والتكميل. وأشير إلى المنشأ الثالث بجملة: " الرحمن الرحيم ".
فان صفة الرحمة تستدعي الرغبة في نعمائه تعالى وطلب الخير منه. وأشير إلى المنشأ الرابع بقوله: " مالك يوم الدين "، فان من تنتهي إليه الأمور ويكون إليه المنقلب جدير بأن ترهب سطوته، وتحذر مخالفته. وقد يكون الوجه هو بيان أن يوم الدين هو يوم ظهور العدل والفضل الإلهيين، وكلاهما جميل لا بد من حمده تعالى لأجله، فكما أن أفعاله في الدنيا من الخلق والتربية والاحسان كلها أفعال جميلة يستحق عليها الحمد فكذلك أفعاله في الآخرة من العفو والغفران وإثابة المطيعين، وعقاب العاصين كلها أفعال جميلة يستوجب الحمد بها.
ومما بيناه يتضح أن جملة: " الرحمن الرحيم " ليس تكرارا أتي بها للتأكيد - كما زعمه بعض المفسرين - بل هي لبيان منشأ اختصاص الحمد به تعالى فلا يغني عنه ذكرها أولا في مقام التيمن والتبرك، وهو ظاهر.