يجيبوه إلى ما يريد، ويسقطوا حجته بالمعارضة، لو كان ذلك ممكنا غير مستحيل. نعم كان من الجدير بهم أن يعارضوا سورة واحدة من سور القرآن، ويأتوا بنظيرها في البلاغة، فيسقطوا حجة هذا المدعي الذي تحداهم في أبرع كمالاتهم، وأظهر ميزاتهم، ويسجلوا لأنفسهم ظهور الغلبة وخلود الذكر، وسمو الشرف والمكانة، ويستريحوا بهذه المعارضة البسيطة من حروب طاحنة، وبذل أموال، ومفارقة أوطان، وتحمل شدائد ومكاره.
ولكن العرب فكرت في بلاغة القرآن فأذعنت لاعجازه، وعلمت أنها مهزومة إذا أرادت المعارضة، فصدق منها قوم داعي الحق، وخضعوا لدعوة القرآن، وفازوا بشرف الاسلام، وركب آخرون جادة العناد، فاختاروا المقابلة بالسيوف على المقاومة بالحروف، وآثروا المبارزة بالسنان على المعارضة في البيان، فكان هذا العجز والمقاومة أعظم حجة على أن القرآن وحي إلهي خارج عن طوق البشر.
وقد يدعي جاهل من غير المسلمين: أن العرب قد أتت بمثل القرآن وعارضته بالحجة، وقد اختفت علينا هذه المعارضة لطول الزمان. وجواب ذلك: أن هذه المعارضة لو كانت حاصلة لأعلنتها العرب في أنديتها، وشهرتها في مواسمها وأسواقها. ولاخذ منه أعداء الاسلام نشيدا يوقعونه في كل مجلس، وذكرا يرددونه في كل مناسبة، وللقنه السلف للخلف، وتحفظوا عليه تحفظ المدعي على حجته، وكان ذلك أقر لعيونهم من الاحتفاظ بتاريخ السلف، وأشعار الجاهلية التي ملأت كتب التاريخ، وجوامع الأدب، مع أنا لا نرى أثرا لهذه المعارضة، ولا نسمع لها بذكر. على أن القرآن الكريم قد تحدى جميع البشر بذلك، بل جميع الإنس والجن، ولم يحصر ذلك بجماعة خاصة. فقال عز من قائل:
" قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل