وذهب جمع منهم إلى أن الآية المباركة منسوخة بقوله تعالى بعد ذلك:
" فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم 5: 48 ".
وروي عن مجاهد أنه ذهب إلى أن آية التخيير ناسخة للآية الثانية.
والتحقيق: عدم النسخ في الآية، فإن الامر بالحكم بين أهل الكتاب بما أنزل الله في قوله تعالى: " فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم " مقيد بما إذا أراد الحاكم أن يحكم بينهم، والقرينة على التقييد هي الآية الأولى. ويدل على ذلك أيضا - مضافا إلى شهادة سياق الآيات بذلك - قوله تعالى في ديل الآية الأولى: " وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط " فإنه يدل على أن وجوب الحكم بينهم بالقسط معلق على إرادة الحكم بينهم، وللحاكم أن يعرض عنهم فينتفي وجوب الحكم بانتفاء موضوعه. ومما يدل على عدم النسخ في الآية المزبورة الروايات التي دلت على أن سورة المائدة نزلت على رسول الله - ص - جملة واحدة، وهو في أثناء مسيره.
فقد روى عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام " إن سورة المائدة كانت من آخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنها نزلت وهو على بغلته الشهباء، وثقل عليه الوحي حتى وقعت " (1).
وروت أسماء بنت يزيد، قالت: " إني لآخذة بزمام العضباء ناقة رسول الله إذ أنزلت عليه المائدة كلها، وكادت من ثقلها تدق من عضد الناقة " (2).
وروت أيضا بإسناد آخر، قالت: " نزلت سورة المائدة على النبي صل الله عليه وآله وسلم