و (من) للابتداء، وإنما قال: (من ربهم) لا من الله تنبيها على أن لكل أحد اسما خاصا من أحدية جمع الأسماء، هو ربه، ومنه يصل إليه ما يصل، وليس لاحد أحدية جمع الأسماء إلا للانسان الكامل، فإن ربه الخاص به هو الاسم الجامع، فمعنى قوله: (من ربهم) أن لكل أحد هدى من ربه الخاص لا من غيره.
والنكتة في إضافة الهدى إلى الكتاب أولا وإلى ربهم ثانيا، أن المتقين قبل كشف حجب المظاهر عن نظر شهودهم، كانوا يشاهدون الهدى عن مظاهر الاسم التي كان ذلك الكتاب واحدا منها، فلذلك أضيف إليه الهدى أولا، فلما تمكنوا في التقوى وتحققوا بالصفات الجارية عليهم كشف عنهم حجب المظاهر وشاهدوا فيها الظاهر، فلهذا أضيف إليه ثانيا.
وهو، أي قوله: " من ربهم " إما في محل الجر صفة لهدى، أو النصب على أنه حال من هدى.
وأولئك هم المفلحون: عطف على الجملة الأولى، وأصل الفلاح القطع والشق، ومنه سمي الزارع فلاحا، لأنه يشق الأرض، والزراعة فلاحة، ومنه المثل الحديد بالحديد يفل (1).
بل كل ما يشاركه في الفاء والعين يدل على ذلك المعنى، نحو فلق وفلذ وفلي وفلج بالجيم. والمفلح هو الفائز بالمطلوب، كأنه الذي انفتحت له وجوه الفوز والظفر ولم تستغلق عليه.
وكرر اسم الإشارة، للتنبيه على أن كل واحد من المسندين على انفراده يكفي في إثبات الفضيلة للمسند إليهم، فلا احتياج إلى انضمام الآخر ليعد من الفضائل، بخلاف ما لو اقتصر على واحد منهما، فإنه يمكن أن يتوهم حينئذ أن الفضيلة