وفي التفسير المنسوب إلى أبي محمد العسكري (صلوات الله عليه وعلى آبائه)، قال الإمام (عليه السلام): ثم أخبر عن جلالة هؤلاء الموصوفين بهذه الصفات الشريفة، فقال: " أولئك " أهل هذه الصفات " على هدى " وبيان وصواب " من ربهم " وعلم بما أمرهم به " وأولئك هم المفلحون " الناجون مما منه يوجلون الفائزون بما يؤملون، قال: وجاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، إن بلالا كان يناظر اليوم فلانا فجعل يلحن في كلامه وفلان يعرب ويضحك من بلال! فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا عبد الله، إنما يراد إعراب الكلام وتقويمه لتقويم الأعمال وتهذيبها، ماذا ينفع فلانا إعرابه وتقويمه لكلامه إذا كانت أفعاله ملحونة أقبح لحن! وماذا يضر بلالا لحنه في كلامه إذا كانت أفعاله مقومة أحسن تقويم مهذبة أحسن تهذيب! قال الرجل: يا أمير المؤمنين، وكيف ذلك؟ قال (عليه السلام): حسب بلال من التقويم لأفعاله والتهذيب لها أنه لا يرى أحدا نظيرا لمحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم لا يرى أحدا بعد محمد نظيرا لعلي بن أبي طالب، ويرى أن كل من عاند عليا فقد عاند الله ورسوله، ومن أطاعه فقد أطاع الله ورسوله، وحسب فلان من الاعوجاج واللحن في أفعاله التي لا ينتفع معها بإعرابه لكلامه بالعربية وتقويمه للسانه، أن يقدم الاعجاز على الصدور والاستاه على الوجوه، وأن يفضل الخل في الحلاوة على العسل، والحنظل في الطيب والعذوبة على اللبن، يقدم على ولي الله الذي لا يناسبه بشئ من الخصال في فضله، هل هو إلا كمن قدم مسيلمة على محمد في النبوة في الفضل، ما هو إلا من الذين قال الله تعالى: " قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " (1).
قال بعض الفضلاء: وإذا انتهى الكلام إلى ها هنا فحري بنا أن نشير إلى بعض بطون هذه الآيات، فنقول: هذا كلام من باطن الجمع إلى ظاهر الفرق، يخاطب أكمل صورة