تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٢٩
ورجح الأول: بقربه، وبإفادته تسبب الفساد، فيدل على وجوب الاحتراز عنه كالكذب.
وفيه بحث، لأنه يفيد تسبب هذا القول منهم في جواب لا تفسدوا للعذاب، لا تسبب الفساد له.
والثاني: تكون الآيات حينئذ على نمط تعديد قبائحهم، وبإفادتها اتصافهم بكل من تلك الأوصاف استقلالا، وبدلالتها على أن لحوق العذاب الأليم بسبب كذبهم الذي هو أدنى أحوالهم في كفرهم ونفاقهم، فما ظنك بسائرها.
ويحتمل أن تكون معطوفة على قوله: " ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر " إلى آخره لكنه بعيد، لعدم دلالته على اندراج هذه الصفة وما بعدها في قصة المنافقين وبيان أحوالهم، إذ لا يحسن حينئذ عود الضمائر التي فيها إليهم.
ويخطر بالبال احتمال أن يكون معطوفا على قوله: " يخادعون الله " إلى آخره.
و " إذا " ظرف زمان، ويلزمها معنى الشرط غالبا، ولا يكون إلا في الامر المحقق، أو المرجح وقوعه. ويختص بالدخول على الجملة الفعلية، ويكون الفعل بعدها ماضيا كثيرا، ومضارعا دون ذلك.
والفساد: خروج الشئ عن كونه منتفعا، والصلاح ضده.
وكان من جملة فسادهم في الأرض هيج الحروب والفتن بمخادعة المسلمين، ومعاونة الكفار عليهم بإفشاء أسرارهم إليهم.
ومنها: الاخلال بالشرائع التي برعايتها ينتظم العالم، بإظهار المعاصي.
ومنها: الدعوة في السر إلى تكذيب المسلمين وجحد الاسلام، وإلغاء السنة.
والقائل هو الله سبحانه بلسان الرسول، أو الرسول، أو بعض المؤمنين.
قالوا إنما نحن مصلحون: جواب (إذا) ورد للناصح على سبيل المبالغة، لان (إنما) هي كلمة (إن) التي لاثبات المسند للمسند إليه، ثم اتصلت بها (ما) الكافة لزيادة التأكيد، فقصدوا بها قصر ما دخلته على ما بعده، فهذا من باب قصر المسند إليه على المسند، لكن قصر إفراد. لأنهم لما سمعوا قول المسلمين لهم: لا تفسدوا في الأرض، توهموا أنهم يجعلونهم مصلحين تارة ومفسدين أخرى، لاستبعادهم أن
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»
الفهرست