تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ٨٥
فقوله: " أن تعبد الله كأنك تراه " أي تعبده، حين تراه بعين بصيرتك وقوة يقينك كأنك تراه، فكما أن المبصر بعين البصر لا يحتاج إلى الاستدلال، فكذلك بعين البصيرة وقوة اليقين لا يحتاج إليه، فهو بالنسبة إليك بمنزله المشهود المحسوس، فدرجة الاحسان فوق الايمان.
وإنما سمي ذلك إحسانا، لأنه إنعام من الله تعالى وفضل، ليس للعبد فيه تسبب، بخلاف الايمان فإنه مكتسب.
ويمكن أن يراد بالغيب غيب الغيوب، الذي هو ذاته المطلقة وهويته الغيبية السارية في الكل علما وعينا.
والباء على هذه التقادير: للتعدية، متعلقه المتضمن للايمان، ويمكن أن تكون للمصاحبة متعلقة بمحذوف يقع حالا. والغيب بمعناه المصدري، أي يؤمنون حال كونهم متلبسين بغيبتهم عن المؤمن به، أو بغيبة المؤمن به عنهم. أو المعنى أنهم يؤمنون غائبين عنكم، لا كالمنافقين الذين (إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم) (1) وأن تكون للاستعانة أي يؤمنون باستعانة غيوبهم التي هي نفوسهم الناطقة و أرواحهم المجردة التي هي غيب وجوداتهم، فإن نسبة الحق سبحانه إلى العالم كنسبة النفس الناطقة إلى البدن، فبالقياس إليها يعرفون الحق سبحانه ويؤمنون به و بصفاته الكمالية، وعلى هذا حمل بعضهم قوله (عليه السلام): (من عرف نفسه فقد عرف ربه) (2).
وقيل: المراد بالغيب: القلب، أي يؤمنون بقلوبهم، لا كمن (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم) (3) ومفعول يؤمنون على هذه التقادير محذوف يعم جميع ما يجب أن يؤمن به.

(١) سورة البقرة: الآية ١٤.
(٢) عوالي اللئالي: ج ٤، ص ١٠٢، ح ١٤٩، وفي الجواهر السنية في الأحاديث القدسية: ص 116.
(3) سورة آل عمران: الآية 167.
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»
الفهرست