تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ٩٤
تدريجي، بخلاف سائر النشئات فإنه يتخلل بينها وبين الآخرة النشأة الدنيوية.
وعن نافع أنه خفقها بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام.
والايقان: إتقان العلم بنفي الشك والشبهة عنه بالاستدلال، ولهذا لا يوصف به علم الباري تعالى والعلوم الضرورية، لا يقال: أيقنت أن السماء فوقي، يقال:
يقنت بالكسر يقينا وأيقنت واستيقنت وتيقنت كله بمعنى. وهو في أصل اللغة ينبئ عن السكون والظهور. يقال: يقن الماء إذا سكن فظهر ما تحته، وقرئ (يؤقنون) بقلب الواو همزة لضم ما قبلها، إجراء لها مجرى المضمومة في وجوه ووقنت، ونظيره:
لحب المؤقدان إلي مؤسى * وجعدة إذ أضاءهما الوقود (1) - وفي هذا الكلام تقديمان يفيد كل منهما القصر:
أحدهما: تقديم الظرف، أعني (بالآخرة) للقصر عليه، كما في قوله تعالى: (لالى الله تحشرون) (2) يعني أنهم يوقنون بحقيقة الآخرة، لا بما هو على خلاف حقيقتها كما يزعم بعض اليهود.
وثانيهما: تقديم المسند إليه، أعني (هم) وبناء الفعل إليه، كما في قولك: " أنا سعيت في حاجتك " - يعني أن الايقان بالآخرة مقصور إليهم لا يتجاوزهم إلى أهل الكتاب.
وفي هذين القصرين التعريض ببعض أهل الكتاب، وبما هم عليه من أمر الآخرة.
أولئك على هدى من ربهم: الجملة في محل الرفع إن جعل أحد الموصولين مفصولا عن المتقين خبر له، وكأنه لما قيل: (هدى للمتقين) قيل: ما بالهم خصوا

(1) الشعر لجرير على ما في الحواشي، وقيل: لأبي حية النميري، ومؤسى وجعدة ابناه، وقوله: لحب الخ يروى بفتح الحاء وضمها، وأصله حبب على وزن شرف، والمؤقدان أراد أيقاد نار القرى فإنه المتبادر في استعمالات العرب خصوصا في مقام المدح، نقلا عن حاشية الكشاف للسيد شريف الجرجاني.
(2) سورة آل عمران: الآية 158.
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»
الفهرست