تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ٩٣
ذلك: لا أدري الحق لعلي أو لفلان؟ فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): ما تقول أنت في رجل يفعل هذه الخيرات كلها إلا أنه يقول: لا أدري النبي محمد أو مسيلمة؟ هل ينتفع بشئ من هذه الأفعال؟ فقال: لا. فقال: فكذلك صاحبك هذا، كيف يكون مؤمنا بهذه الكتب وبالآخرة، أو منتفعا بشئ، من لا يدري أمحمد النبي أم مسيلمة؟ فكذلك، كيف يكون مؤمنا بهذه الكتب وبالآخرة أو منتفعا بشئ من أفعاله، من لا يدري أعلي المحق أم فلان (1).
وبالآخرة هم يوقنون: معطوفة على (يؤمنون) أي يوقنون إيقانا زال معه ما كانوا عليه من أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا أو نصارى، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات، واختلافهم في نعيم الجنة أو هو من جنس نعيم الدنيا أو غيره، وفي دوامه وانقطاعه؟
والآخر اسم فاعل من (أخر) بالتخفيف، بمعنى تأخر، إلا أنه لم يستعمل، والآخرة تأنيثها، وهي صفة الدار والنشأة، بدليل قوله: (تلك الدار الآخرة) (2)، و (ينشئ النشأة الآخرة) (3) وهي صفة غالبة على تلك الدار، والنشأة كالدنيا على هذه، حتى قلما تستعملان في غيرهما. وقد جرتا مع تلك الغلبة مجرى الأسماء بترك موصوفيهما حتى كأنهما ليستا من قبيل الصفات.
وإنما سميت آخرة لتأخرها عن الدنيا، كما سميت الدنيا دنيا لكونها أدنى و أقرب إلينا من الآخرة أو لكونها أقرب النشئات إلى الآخرة، وذلك لان للنفس الناطقة حالتين: حالة تقلقلها بالبدن واشتغالها بتدبيره، والاتيان بواسطته بالاعمال الحسنة والسيئة، وحالة انقطاعها عن البدن وعدم التمكن من الاشتغال بتدبيره، وترتب الا جزية على أعمالها من اللذات والآلام. ولا شك أن الانتقال من الحالة الأولى التي هي الدنيا إلى الثانية التي هي الآخرة، آني دفعي، لا زماني

(١) تفسير الإمام العسكري (عليه السلام): ص 32.
(2) سورة القصص: الآية 83.
(3) سورة العنكبوت: الآية 20.
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»
الفهرست