للحكم السابق، أو تعليل له، والختم قريب من الكتم، لفظا، لتوافقهما في العين واللام، ومعنى، لان الختم على الشئ يستلزم كتم ما فيه، فيناسبه في اللازم.
والغشاوة فعالة من غشاه إذا غطاه، بنيت لما يشتمل على الشئ، كالعصابة والعمامة، ولا ختم ولا تغشية ثم على الحقيقة، بل على سبيل المجاز والاستعارة.
فإن كان المشبه به في " ختم الله على قلوبهم " المعنى المصدري الحقيقي للختم، والمشبه إحداث حالة في قلوبهم مانعة من نفوذ الحق فيها، كان طرفا التشبيه مفردين والاستعارة مصرحة.
وإن جعل المشبه به هيئة مركبة منتزعة من الشئ والختم الوارد عليه، ومنعه صاحبه من الانتفاع به، والمشبه هيئته منتزعة من القلب والحالة الحادثة فيه، و منعها صاحبها من الانتفاع به في الأمور الدنيوية، كان طرفا التشبيه مركبين، والاستعارة تمثيلية قد اقتصر فيها من ألفاظ المشبه به على ما معناه عمدة في تصوير تلك الهيئة واعتبارها، أعني الختم، وباقي الألفاظ منوي مراد وإن لم يكن مقدرا في نظم الكلام، والاقتصار على بعض الألفاظ للاختصار في العبارة، وتكثير محتملاتها بأن تحمل تارة على التشبيه، وتارة على التمثيلية، وأخرى على غيرهما، ولو صرح بالكل تعينت التمثيلية، وإن قصد تشبيه قلوبهم بأشياء مختومة وجعل ذكر الختم الذي هو من روادف المشبه به المسكوت عنه تنبيها عليه و رمزا، كان من قبيل الاستعارة بالكناية، وقس عليه قوله: " وعلى أبصارهم غشاوة ".
والمعتزلة لما اضطرت في معنى ظاهر الآية، ذكروا له وجوها من التأويل:
منها: إن القوم لما أعرضوا وتمكن ذلك في قلوبهم حتى صار كالطبيعة لهم، شبه بالوصف الخلقي المجبول عليه.
ومنها: إن المراد بالختم وسم قلوبهم بسمة تعرفها الملائكة، فيبغضونهم و يتنفرون عنهم.
وعلى هذا يحمل كل ما يضاف إلى الله من طبع وإضلال.