بنوا إسرائيل المعاصي وعتوا عن أمر ربهم، أراد الله أن يسلط عليهم من يذلهم و يقتلهم، فأوحى الله إلى إرميا، يا إرميا ما بلد انتخبته من بين البلدان وغرست فيه من كرائم الشجر، فأخلف فأنبت خرنوبا، فأخبر إرميا أحبار بني إسرائيل، فقالوا له: راجع ربك ليخبرنا ما معنى هذا المثل؟ فصام إرميا سبعا، فأوحى إليه يا إرميا، أما البلد فبيت المقدس، وأما الغرس فإسرائيل وكرائم ولده، وأما ما أنبت فيها فبنوا إسرائيل الذين أسكنتهم فيها، فعملوا بالمعاصي وغيروا ديني وبدلوا نعمتي كفرا، فبي حلفت لأمتحننهم بفتنة يظل الحكيم فيه حيرانا ولأسلطن عليهم شر عبادي ولادة وشرهم مطعما، وليسلطن عليهم بالجبرية، فيقتل مقاتلهم، ويسبي حريمهم و يخرب بيتهم الذي يعتزون به، ويلقي حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل مائة سنة. وأخبر إرميا أحبار بني إسرائيل، فقالوا: راجع ربك فقل له: ما ذنب الفقراء والمساكين والضعفاء، فصام إرميا سبعا ثم أكل أكلة فلم يوح إليه شئ، ثم صام سبعا فأكل أكلة فلم يوحى إليه شئ، ثم صام سبعا فأوحى الله إليه يا إرميا لتكفن عن هذا أو لأردن وجهك إلى قفاك، قال: ثم أوحى الله إليه قل لهم لأنكم رأيتم المنكر فلم تنكروه، فقال إرميا:
رب أعلمني من هو حتى آتيه وآخذ لنفسي وأهل بيتي منه أمانا؟ فقال: أئت موضع كذا وكذا فانظر إلى غلام أشدهم زمنا، وأخبثهم ولادة، وأضعفهم جسما، وأشرهم غذاء فهو ذاك، فأتى إرميا ذلك البلد فإذا هو بغلام في خان زمن ملقى في مزبلة وسط الخان، وإذا له أم تزبي (1) بالكسر وتفت الكسر في قصعة وتحلب عليه لبن خنزيرة لها، ثم تدنيه من ذلك الغلام فيأكله، فقال إرميا: إن كان في الدنيا الذي وصفه الله فهو هذا، فدنا منه فقال: ما اسمك؟ فقال: بخت نصر، فعرف انه هو، فعالجه حتى برء، ثم قال: لا تعرفني؟ قال: لا أنت رجل صالح قال: أنا إرميا نبي بني إسرائيل، أخبرني الله أنه سيسلطك على بني إسرائيل فتقتل رجالهم، وتفعل بهم