تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ٦٣١
عليه حتى يؤخذ، قال: فقال له: إن الامر كما قلت لك، قال: فبث الخيل وقال:
لا تلقون أحدا من الخلق إلا قتلتموه كائنا من كان، وكان دانيال جالسا عنده وقال: لا تفارقني هذه الثلاثة أيام، فإن مضت قتلتك، فلما كان اليوم الثالث ممسيا أخذه الغم فخرج فتلقاه غلام كان يخدم ابنا له من أهل فارس وهو لا يعلم أنه من أهل فارس فدفع إليه سيفه وقال له: يا غلام لا تلقي أحدا من الخلق إلا وقتلته وإن لقيتني أنا فاقتلني، فأخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصر ضربة فقتله.
فخرج إرميا على حماره ومعه تين قد تزوده وشئ من عصير، فنظر إلى سباع البر وسباع البحر وسباع الجو تأكل تلك الجيف، ففكر في نفسه ساعة، ثم قال:
أنى يحيي هذه الله بعد موتها وقد أكلتهم السباع فأماته الله مكانه، وهو قول الله تبارك وتعالى: " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله ماءة عام ثم بعثه " أي أحياه.
فلما رحم الله بني إسرائيل وأهلك بخت نصر رد بني إسرائيل إلى الدنيا، وكان عزير لما سلط الله بخت نصر على بني إسرائيل هرب ودخل في عين وغاب فيها، وبقي إرميا ميتا ماءة سنة ثم أحياه الله تعالى، فأول ما أحيا منه عينيه في مثل غرقئ البيض، فنظر فأوحى الله تعالى إليه: " كم لبثت قال لبثت يوما " ثم نظر إلى الشمس وقد ارتفعت فقال: " أو بعض يوم " فقال الله تعالى: " بل لبثت ماءة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه " - أي لم يتغير - وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما " فجعل ينظر إلى العظام البالية المتفطرة تجمع إليه وإلى اللحم الذي قد أكلته السباع يتألف إلى العظام من ها هنا وها هنا ويلتزق بها حتى قام وقام حماره فقال: " اعلم أن الله على كل شئ قدير " (1).
فقد ظهر لك من تلك الأخبار: أن تلك الحكاية وقعت بالنظر إلى عزير وارميا كليهما، ويمكن أن يكون قوله: " أو كالذي مر على قرية " إشارة إلى كليهما علي

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، في تفسيره للآية الشريفة من ص 86 إلى ص 91.
(٦٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 626 627 628 629 630 631 632 633 634 635 636 ... » »»
الفهرست