كذا وكذا، فتاه الغلام في نفسه في ذلك الوقت، ثم قال إرميا: اكتب لي كتابا بأمان منك، فكتب له كتابا، وكان يخرج إلى الجبل ويحتطب ويدخل المدينة، فدعا إلى حرب بني إسرائيل وكان مسكنهم في بيت المقدس، فأجابوه، وأقبل بخت نصر فيمن أجابه نحو بيت المقدس، وقد اجتمع عليه بشر كثير، فلما بلغ إرميا إقباله نحو بيت المقدس، استقبله على حمار له ومعه الأمان الذي كتبه له بخت نصر، فلم يصل إليه إرميا من كثرة جنوده وأصحابه. فصير الأمان على خشبة ورفعها، فقال: من أنت؟ فقال: أنا إرميا النبي الذي بشرتك بأنك سيسلطك الله على بني إسرائيل وهذا أمانك لي، قال: أما أنت فقد أمنتك، وأما أهل بيتك فاني أرمي من ههنا إلى بيت المقدس، فإن وصلت رميتي إلى بيت المقدس فلا أمان لهم عندي وإن لم تصل فهم آمنون، وانتزع قوسه ورمى نحو بيت المقدس فحملت الريح النشابة حتى علقتها في بيت المقدس، فقال لهم: لا أمان لهم عندي.
فلما وافى، نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة، وإذا دم يغلي وسطه كلما القي عليه التراب خرج وهو يغلي، فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا دم نبي كان لله فقتله ملوك بني إسرائيل ودمه يغلي كلما ألقينا عليه التراب خرج يغلي.
فقال بخت نصر: لأقتلن بني إسرائيل أبدا حتى يسكن هذا الدم. وكان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا وكان في زمانه ملك جبار يزني بنساء بني إسرائيل، وكان يمر بيحيى بن زكريا، فقال له يحيى: اتق الله أيها الملك لا يحل لك هذا، فقالت له امرأة من اللواتي التي كان يزني بهن حين سكر: أيها الملك اقتل يحيى، فأمر أن يؤتى برأسه فاتى برأس يحيى في طشت، وكان الرأس يكلمه ويقول: يا هذا اتق الله لا يحل لك هذا، ثم غلى الدم في الطشت حتى فاض إلى الأرض فيخرج يغلي ولا يسكن. وكان بين قتل يحيى وبين خروج بخت نصر ماءة سنة، فلم يزل بخت نصر يقتلهم، وكان يدخل قرية قرية فيقتل الرجال والنساء والصبيان وكل حيوان والدم يغلي ولا يسكن حتى أفناهم.
ثم قال: هل بقي أحد في هذه البلاد؟ قالوا: عجوز في موضع كذا وكذا، فبعث إليها فضرب عنقها على الدم فسكن وكانت آخر من بقي.