تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٩٧
وقد يجاب بأن وقوعها في القرآن إنما هو بالنظر إلى هذه الآية. وبأن ترك ضرب المثل بالبعوضة وبما فوقها يكون بتركهما جميعا، فهو في قوة السلب الكلي وهو يرتفع بالايجاب الجزئي، فليكن صدق نفي تركهما بوقوع ضرب المثل بما فوق البعوضة.
والأول ضعيف، فإنها لم يقع على قصد التمثيل لها وإن تكلف، ويقال: المراد أنه لا يستحيي أن يضرب بها مثلا للآلهة، فإن المتبادر أنها إخبار عما وقع خارجا عن هذا الكلام.
والثاني: لا يتأتى إلا على تقدير أن يراد بما فوقها ما يفوقها في العظم، مع أن حمله على ما يفوقها في الحقارة إن لم يكن أولى فلا أقل من أن يكون مساويا.
قال العلامة السبزواري: المعنى لا يدع ضرب المثل بالأشياء، الحقيرة كالبعوضة، فضلا عما هو أكبر منها كالذباب والعنكبوت وما هو أعظم منهما، أو كالبعوضة فما فوقها في الصغر والحقارة، لان جناح البعوضة أصغر منها، وقد ضرب به المثل، وقد خلق الله من الحيوان ما هو أصغر حجما من البعوضة بكثير.
أقول: لا يخفى على ما حققناه ما فيه، فإنه يدل على أنه ضرب المثل بالبعوضة وما هو أصغر منها، وليس كذلك.
وأما ما روي عن الصادق (عليه السلام) من أنه قال: إنما ضرب الله المثل بالبعوضة، لان البعوضة على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين، فأراد الله سبحانه أن ينبه بذلك المؤمنين على لطف خلقه وعجيب صفته (1).
فلا يدل على أن ضرب المثل بالبعوضة واقع من الله، بل على أنه جاز وقوعه لهذا الوجه، وهذا المعنى وإن كان خلاف ما هو المتبادر من لفظ الحديث، لكن يجب أن يصار إليه عند قيام القرينة.
أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها: في محل النصب إما على أنه مفعول الفعل المتقدم، أو بنزع الخافض، أو الجر بتقديره، كما في: الله لأفعلن.

(1) مجمع البيان: ج 1، ص 67، في تفسير لقوله تعالى: " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ".
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»
الفهرست