لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء (1).
فأما الذين آمنوا فيعلمون: (أما) بفتح الهمزة وتشديد الميم في جميع اللغات إلا عند بني تميم فإنهم يقولون: أيما (2) حرف تفصيل كإما بكسر الهمزة مطلقا عند المبرد، وأما الأولى عند غير المبرد يفيد تفصيل مجمل متعدد سابق في الذكر، صريحا كقولك جاءني القوم أما العلماء فكذا وأما الجهلاء فكذا، أو في الذهن من غير سبق ما يدل عليه بوجه كقولهم في صدر الكتب أما بعد، أو مع سبقه كما نحن فيه من الآية، لان قوله تعالى: " إن الله لا يستحيي " دل على أن ثمة من تداخله شبهة على ما مر ويخطر منه بالبال يقابله، فيحصل في الذهن متعدد يفصله أما. ويتضمن معنى الشرط ولذلك يجاب بالفاء، قال سيبويه: أما زيد فذاهب، معناه مهما يكن من شئ فزيد ذاهب (3)، أي هو ذاهب لا محالة وأنه منه عزيمة، ففي تصدير الجملتين به مبالغة في محمدة المؤمنين ومذمة الكافرين، وكان الأصل دخول الفاء على الجملة لأنها الجزاء، لكنهم كرهوا إيلاءها حرف الشرط فأدخلوا الخبر وعوضوا المبتدأ عن الشرط، فالذين آمنوا مبتدأ، ويعلمون خبره.
أنه الحق: في موضع مفعول (يعلمون)، والحق أن " أن " الواقعة بعد العلم لا يغير معنى الجملة، أي لا يؤلها إلى المفرد، فجزاء الجملة منصوبان محلا على أنهما مفعولان.
والحق في اللغة: الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، يعم الأعيان الثابتة والافعال الصائبة والأقوال الصادقة، من قولهم: حق الامر إذا ثبت، ومنه ثوب محقق محكم النسج، وفي العرف الأخير يخص الأخيرين، وفي اصطلاح أرباب المعقول يخص الأخير، فيقولون للأقوال المطابقة للواقع صادقة وكاذبة باعتبارين.
والضمير في (أنه) للمثل، أو لضربه، أو لترك الاستحياء.