المتعاقدين بالآخر، فتشبيه العهد في النفس استعارة بالكناية، وإثبات النقض سواء أريد به معناه الحقيقي أو المجازي له قرينة لها.
لا يقال: إذا أريد بالنقض معناه الحقيقي، فظاهر أنه من لوازم الحبل، وأما إذا أريد به معناه المجازي فليس كذلك، فكيف يكون قرينة للاستعارة بالكناية.
لأنا نقول: المراد باللازم أعم من أن يراد معناه الأصلي الذي هو اللازم الحقيقي، أو يراد ما هو شبه بذلك المعنى منزل منزلته، فإنه إذا نزل منزلة الحقيقي و عبر عنه باسمه، صار لازما ادعاء، فاللازم على الأول مذكور لفظا ومعنى حقيقة، وعلى الثاني مذكور لفظا حقيقة ومعنى ادعاء، وكلاهما يصلحان للقرينة.
والعهد: الموثق، أي الميثاق، ويقال للأمان واليمين والذمة والوصية ووضعه لما من شأنه أن يراعي ويتعهد، كالوصية واليمين، ويقال للدار من حيث أنها يراعى بالرجوع إليها، والتاريخ لأنه يحفظ.
من بعد ميثاقه: متعلق بينقضون، و (من) لابتداء الغاية، فإن ابتداء النقض بعد الميثاق، وقيل: زائدة.
والميثاق اسم لما يقع به الوثاقة، وهو الاحكام، أو معنى التوثقة كالميلاد والميعاد، بمعنى الولادة والوعدة.
ومرجع الضمير: العهد، أو الله، وإضافته إلى العهد بمعناه الاسمي للتأكيد، لان ميثاق الميثاق مما يؤكده، وبمعناه المصدري من إضافة المصدر إلى المفعول، و إلى الله من إضافته إلى الفاعل.
وعهده الذي نقضوه من بعد ميثاقه، إما ما ركز في عقولهم من قوة التفكر في مصنوعاته التي هي دلائل توحيده سبحانه، أو هو الذي أخذه الله تعالى على بني آدم حين استخرجهم من ظهوره وأقروا بربوبيته.
وميثاقه على التقديرين إرسال الرسل وإنزال الكتب على وفقه، ونقضه على الأول ترك التفكر فيها المندوب إليه عقلا وشرعا، وعلى الثاني نسيانهم ما أقروا به وعدم جريهم على مقتضاه لما أخذوا أربابا من دون الله.
والعهد وصية الله إلى خلقه، وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته، ونهيه