من ربهم: في محل النصب على أنه حال من الحق، أي كائنا وصادرا من ربهم، أو من الضمير المستكن، وهو العامل فيه، لكونه مشتقا، والمعنى أنه حق حال كونه من ربهم، أو في محل الرفع على البدلية من الحق، ويحتمل أن يجعل ظرفا لغوا للحق أو ليعلموا.
وأما الذين كفروا فيقولون: إنما قال ذلك ولم يقل فلا يعلمون كما هو مقتضى المقابلة، لان قولهم ذلك يستلزم عدم علمهم بالحق، فكان كذكره مبرهنا عليه، ولان مذمتهم بنفي العلم إنما هي للتقصير في أسباب حصوله، بخلاف القول السئ فإنه مذموم لذاته.
ماذا أراد الله: (ما) للاستفهام مرفوع المحل على أنه مبتدأ، و (ذا) بمعنى الذي موصول وهو مع صلته خبره، أو منصوب المحل على أنه مفعول (أراد) قدم عليه وجوبا لتضمنه معنى الاستفهام، وكلمة (ذا) حينئذ تكون زائدة لتزيين الفعل.
وعلى التقدير الثاني يكون (ما) مع (ذا) كلمة واحدة بمعنى أي شئ، والأصوب على الأول رفع جوابه وعلى الثاني نصبه، ليشاكل الجواب السؤال، ويجوز العكس بناء على تأويل الأول بأراد كذا والثاني بمراد كذا لتحصل المشاكلة، أو بدونه، والاستفهام للتعجب والانكار.
والإرادة: ضد الكراهة، وهي مصدر أردت الشئ إذا طلبته نفسك ومال إليه قلبك.
وفي عرف المتكلمين: نزوع النفس وميلانها إلى الفعل بحيث يحملها عليه، و يقال للقوة التي هي مبدأ النزوع.
وشئ من تلك المعاني لا يتصور اتصاف الباري تعالى به، ولذلك اختلف في معنى إرادته، فقيل: إرادته لأفعاله أنه غير ساه ولا مكره ولا يقال غيره، أمره بها، فعلى هذا لم تكن المعاصي بإرادته. وقيل: علمه باشتمال الامر على النظام الأكمل والوجه الأصلح، فإنه يدعو القادر على تحصيله. وقيل: ترجيح أحد مقدوريه على الآخر وتخصيصه بوجه دون وجه، أو معنى يوجب هذا الترجيح، وهي أعم من الاختيار، فإنه ميل مع تفصيل.