وآله): فهذه الجنة ما فيها من الأشجار والأنهار والثمرات وغيرها من الحور والقصور والغلمان والولدان هي أعمالهم وأخلاقهم ومقاماتهم وأحوالهم مثلت وصورت في أمثلة وصور مناسبة، ثم ردت إليهم، ولهذا يقال لهم: إنما هي أعمالكم ترد إليكم (1).
وهذه الآية الكريمة إشارة إلى بشارة أهل هذه الجنة. يعني بشر الذين تحققوا بالعلوم والمعارف الايمانية المبتنية عليها الأعمال الصالحة والافعال الحسنة، أن لهم جنات من أشجار ونخيل وأعناب، وهي صور هذه الأعمال والافعال، تجري من تحتها الأنهار، أي أنهار تلك العلوم والمعارف النابتة أصول هذه الأشجار وفروعها منها، كلما رزقوا منها من ثمرة، هي من صور نتائج أعمالهم، وتنبهوا لما بين الصورة وذي الصورة من المناسبة والمشابهة، قالوا: هذا المرزوق في الجنة بعينه هو الذي رزقنا من قبل في الدنيا. وهذا كما إذا رأيت ليلة أنك تشرب اللبن وحصل لك غذاءها نوع من العلم، وتنبهت لما بين ما رأيته في المنام وبين ما حصل لك من العلم من المشابهة، فإن اللبن كما أنه غذاء صالح للأبدان كذلك العلم صالح للقلوب والأرواح، قلت: هذا ما رأيته البارحة في المنام واتيت بما رزقته في النوم واليقظة متشابها، أي يشابه كل واحد منهما الآخر، وعلى هذا القياس معنى اتوا به متشابها ولهم فيها من صور أبكار المعاني الغيبية التي تقتضيها خصوصيات استعداداتهم أزواج مطهرة من ملابسة الأغيار لم يطمثهن إنس ولا جان، وهم فيها خالدون، أي دائمون لا يبرحون عنها.
وفي قوله: وهم فيها خالدون وإن كان لهم بشارة بالدوام والبقاء، ولكن فيه تعريض بشأنهم أنهم أخلدوا إلى أرض هذه الجنة فلا يبرحون عنها إلى ما فوقها، ولا يترقون إلى جنات النعيم وجنة الذات، لكنهم ينزلون إلى جنات الافعال ويتخطون بما فيها من غير تقييد بشئ منها، رزقنا الله وإياكم معالي الأمور، وهو سبحانه الودود والغفور.