[* إن الله لا يستحى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وما يضل به إلا الفسقين (26)] * إن الله لا يستحى: لما كانت الآيات السابقة مشتملة على أقسام من التمثيل، عقب ذلك ببيان حسنه، وما هو الحق له، وما هو شرط فيه من موافقته للممثل له من الجهة التي تعلق بها التمثيل في العظم والصغر والشرف والخسة، دون الممثل، فإن التمثيل إنما يصار إليه لكشف المعنى الممثل له ورفع الحجاب عنه و إبرازه في صورة المشاهد المحسوس، ليساعد فيه الوهم والعقل ويصالحه، فإن المعنى الصرف إنما يدركه العقل مع منازعة من الوهم، لان من طبعه ميل الحس وحب المحاكمات، لما قاله الجهلة: من أن ضرب المثل بالمحقرات كالنحل والذباب والعنكبوت والنمل لا يليق بكلام الفصحاء من المخلوقين ويخل بفصاحته، فكيف يليق بالقرآن الذي تدعون أنه كلام الله بالغ في الفصاحة حد الاعجاز؟
وعن الحسن وقتادة: أنه لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب به للمشركين المثل ضحكت اليهود، وقالوا، ما يشبه هذا كلام الله، فأنزل الله سبحانه هذه الآية (1) وقال: إن الله لا يترك ضرب المثل ببعوضة ما ترك من يستحي أن يمثل بها لحقارتها، وقد مثل في الإنجيل بالنخالة، لمن يقول بالبر ولا يعمل به كالمنخل يخرج المنخول المختار ويمسك النخالة، قال: لا تكونوا كمنخل يخرج منه الدقيق و