تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٩٥
يمسك النخالة كذلك أنتم تخرج الحكمة من أفواهكم وتبقون الغل في صدوركم. و بالحصاة للقلوب القاسية حيث قال: " قلوبكم كالحصاة لا تنضجها النار ولا يلينها الماء ولا تنسفها الرياح. وبالزنابير لمقاولة السفهاء، لما في إثارتها من الضرار، قال:
لا تثيروا الزنابير فتلدغكم فكذلك لا تخاطبوا السفهاء فيشتمون.
والاستحياء: من الحياء، وهو انقباض النفس عن القبيح مخافة الذم. وهو الوسط بين الوقاحة التي هي الجرأة على القبائح وعدم المبالاة بها، والخجل: هو انحصار النفس عن الفعل مطلقا واشتقاقه من الحياة، يقال حيى الرجل إذا اعتلت قوته الحيوانية، كما يقال: نساه وحشاه، والنسا بفتح النون والقصر: عرق يخرج من الورك فيتبطن الفخذين ثم يمر بالعرقوب حتى يبلغ الحافر، ومنه مرض عرق النساء، والحشا ما احتوت عليه الضلوع، فكأنه جعل الحيي لما يعتريه من التغير والانكسار منقص الحياة، كما يقال: هلك أو مات أو ذاب حياء من كذا. واستحيى بمعنى حيي كاستقر بمعنى قر، ويتعدى بنفسه وبحرف الجر، يقال: استحييته واستحييت منه، والآية تحتمل الوجهين. وإنما أتى بالمزيد لما في المجرد من توهم نفي الحياة.
وروى ابن كثير يستحيى بياء واحدة (1) ووجهه أنه استثقل اجتماع اليائين فحذفت إحداهما بعد نقل حركتها إلى ما قبلها. ولما لم يجز على الله تعالى التغير والخوف والذم، لم يجز وصفه بالحياء اللازم من نفي الاستحياء المقيد، فإنه يفهم منه ثبوت مطلق الاستحياء.
كما يدل عليه حديث سلمان - رحمة الله عليه - صريحا حيث قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع إليه العبد يديه أن يردهما صفرا حتى ينزل فيهما خيرا (2).

(١) تفسير الكشاف: ج ١، ص ١١٤.
(٢) أخرجه في جامع الأصول: ج ٥، ص ١١، في الفصل الثاني في هيئة الداعي، تحت رقم ٢١١٩ عن سلمان الفارسي وليس فيه جملة (حتى ينزل فيهما خيرا) وزاد كلمة خائبين. ورواه في كنز العمال:
ج ٢
، ص 87، في آداب الدعاء تحت رقم 3266 و 3267 و 3268، عن علي وعن ابن عمر.
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»
الفهرست