تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٩٦
فلا بد أن يراد ما هي سبب عنه أعني ترك ما يستحى عنه، فيكون مجازا من باب إطلاق السبب على المسبب، أو يجعل من قبيل الاستعارة التمثيلية، بأن يشبه حال الله سبحانه مع ضرب المثل بالمحقرات بحال المستحيي مع ما يستحيي منه، فكما أن المستحيي يترك ما يستحيي منه كذلك سبحانه يترك ضرب المثل بالمحقرات، فإذا نفى ذلك المعنى صار المعنى أنه ليس حاله سبحانه مع ضرب المثل بها كحال المستحيي مع ما يستحيي منه في الترك، فلا يترك سبحانه ضرب المثل كما يترك المستحيي ما يستحيي منه.
فإن قلت: يلزم حينئذ وقوع الفعل، فيشكل ذلك من أنه ما وقع في القرآن ذكر البعوضة والتمثيل بها ولا ذكر ما فوقها إذا أريد به ما فوقها في الحقارة.
قلت: كما أن للاستحياء لازما هو ترك المستحيي منه، كذلك لعدم الاستحياء لازم هو جواز وقوع الفعل، فإنه لا يلزم من عدم السبب إلا جواز وقوع المسبب (1) لا وقوعه، فيصير المعنى أن الله سبحانه يجوز أن يقع منه ضرب المثل بالبعوضة فما فوقها، ولا شك أن الجواز لا يستلزم الوقوع.
ويجوز أن تكون هذه العبارة مما وقعت في كلام الكفرة فقالوا: أما يستحيي رب محمد أن يضرب مثلا بالذباب والعنكبوت؟ فجاءت هنا على سبيل المشاكلة، وهي أن يذكر الشئ بلفظ غيره، لوقوعه في صحبته، كقوله:
قالوا: اقترح شيئا نجد لك طبخه * قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا (2) -

(1) في هامش بعض النسخ ما لفظه (لأنه يجوز حينئذ وقوع المسبب بسبب آخر، ولا يجب لجواز أن لا يكون له سبب آخر، منه).
(2) هو من بيتين لأبي الشمقمق، وكان له أربعة أصحاب اجتمعوا يوما وأرسلوا إليه أن يأتيهم وأن يشتهي طعاما يطبخونه وكان عريانا ليس له ثوب يستره وكان الوقت باردا، فكتب إليهم هذين البيتين، وقبله:
إخواننا عزموا الصبوح بسحرة * فأتى رسولهم إلي خصيصا فأرسل إليه كل واحد منهم خلعة وعشر دنانير، فلبس إحدى الخلع وسار إليهم. جامع الشواهد: باب القاف بعده الألف، ص 212.
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»
الفهرست