تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٩٩
الأمثال بالمحقرات. إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا، لا يبعد أن يقال معناه للمبالغة في الرد، أن لله التمثيل بأشياء محقرة لا يتأتى لكم أن تدركوها من الحقارة، فيحسن إردافه بما إلى آخره، ومعناه أي شئ البعوضة فما فوقها حتى لا يمثل بهما، بل له أن يمثل بما هو أحقر من ذلك، ونظيره فلان لا يبالي بإعطاء المئات والألوف من الدينار، ما دينار وما ديناران حتى لا يعطي. وأما زائدة أو صفة لنكرة وبعوضة خبر مبتدأ محذوف، أي مثلا هو بعوضة.
والبعوض من البعض، وهو القطع كالبضع والعضب، ومنه بعض الشئ فإنه قطعة منه، فمدار هذه الحروف على القطع كيفما تترتب، فهو في أصله صفة على فعول كالقطوع، فغلب على البقة كالخموش بفتح الخاء، فإنه أيضا صفة على فعول من خمش وجهه يخمشه أي يخدشه، فغلبت عليها.
و (ما) في ما فوقها إن نصبنا بعوضة كانت معطوفة عليها، موصولة أو موصوفة صلتها أو صفتها الظرف، وإن رفعناها وجعلنا (ما) الأولى موصولة أو موصوفة أو استفهامية، فالثانية معطوفة عليها، أو على بعوضة، وإن جعلنا (ما) زائدة أو صفة نكرة وبعوضة خبرا لهو مضمرا، كانت ما معطوفة على بعوضة، وإن جوز حذف الموصول مع بعض الصلة، يجوز أن تكون (ما) في فبما استفهامية، أي فما الذي هو فوق البعوضة، والمعنى أن لله التمثيل بالبعوضة، فأي شئ ما هو فوق البعوضة كالذباب والعنكبوت حتى لا يمثل به، وحينئذ يكون في غاية الطباق لكلام الكفرة، هذا إذا لم تكن (ما) الأولى استفهامية، فإذا كانت هي أيضا استفهامية يكون ترقيا على ترق.
والمعنى أن لله التمثيل بأحقر شئ فأي شئ البعوضة حتى لا يمثل بها، وبعد ذلك أي شئ ما فوق البعوضة كالذباب والعنكبوت حتى لا يمثل به، ومعنى ما فوقها، أي في الكبر، وهو أوفق لكلام الكفرة، أو في الصغر وهو أشد مبالغة في ردهم، وما فوق في الصغر هو جناحها كما ضربه (عليه السلام) مثلا للدنيا.
روي عن الترمذي، عن سهل بن سعد، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»
الفهرست