تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٩١
للتأويل بالجماعة، وهي لغة فصيحة.
وهم فيها خلدون: دائمون، والخلد والخلود: يطلق على الثبات المديد الدائم و على غير الدائم بالاشتراك المعنوي أو اللفظي أو الحقيقة والمجاز، والأول أولى نفيا للتجوز والاشتراك اللذين هما خلاف الأصل، ومنه قيل للأثافي والأحجار خوالد، وللجزء الذي يبقى من الانسان على حاله ما دام حيا خلدا. وقيل: وإلا يلزم أن يكون التقييد بالتأبيد في قوله تعالى " خالدين فيها أبدا " (1) لغوا. وبالجملة المراد به الدوام هنا عند الجمهور، لما يشهد له من الآيات والسنن.
ثم إن مجامع اللذات المسكن والمطعم والمنكح، فوصف الله تعالى المسكن بقوله:
" جنات تجري من تحتها الأنهار " والمطعم بقوله: " كلما رزقوا منها من ثمرة " والمنكح بقوله: " ولهم فيها أزواج مطهرة ".
ثم إن هذه الأشياء إذا حصلت وقارنها خوف الزوال كان التنعم بها منقصا، فأزال تعالى هذا الخوف عنهم بقوله: " وهم فيها خالدون " فصارت الآية دالة على كمال التنعم والسرور.
فإن قلت: فائدة المطعوم هو التغذي ودفع ضرر الجوع، وفائدة المنكوح التوالد وحفظ النوع.
قلت: مطاعم الجنة ومناكحها وسائر أحوالها إنما تشارك نظائرها الدنيوية في بعض الصفات والاعتبارات، وتسمى بأسمائها على سبيل الاستعارة والتمثيل، ولا تشاركها في تمام حقيقتها حتى تستلزم جميع ما يلزمها وتفيد عين فائدتها.
فإن قيل: الأبدان مركبة من أجزاء متضادة الكيفية معرضة للاستحالة المؤدية إلى الانفكاك والانحلال، فكيف يعقل خلودها في الجنان؟
قلت: إن الله تعالى يعيدها بحيث لا تعتورها الاستحالة، بأن يجعل أجزاءها مثلا متفاوتة في الكيفية، متساوية في القوة لا يقوى شئ منها على إحالة الآخر، متعانقة متلازمة لا ينفك بعضها عن بعض، كما في بعض المعادن.

(1) سورة النساء: الآية 57، 122، 169، وغيرها من السور.
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»
الفهرست