تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ٢٠٤
الفعل إلى الفاعل الحقيقي الذي لا مؤثر في الوجود عند الحكماء المتألهين والصوفية المحققين وجمهور أهل السنة والجماعة، إلا هو فيؤدي إلى التظليم والتجوير على ما يذهب إليه المجبرة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
والباء في الموضعين على جميع التقادير للسببية.
والهداية في القرآن تقع على وجوه:
الأول: الدلالة والارشاد، وهو بهذا المعنى شامل لجميع المكلفين، فلا تكون بهذا المعنى مرادة في الآية.
الثاني: زيادة الألطاف التي بها يثبت على الهدى.
الثالث: الإثابة، ومنه قوله تعالى: " والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم، سيهديهم ويصلح بالهم " (1).
الرابع: الحكم بالهداية.
الخامس: جعل الانسان مهتديا بأن يخلق الهداية فيه، كما يجعل متحركا بجعل الحركة فيه.
وكل واحد من هذه الوجوه الأربعة الأخيرة يمكن أن يكون مرادا في تلك الآية.
وقدم الاضلال على الهداية لزيادة الاهتمام بتعريفهم وتوبيخهم به، ولذلك سجل عليهم بمجامع الكفر والطغيان وختمها بأن حصر فيهم الخسران، بقوله: " وما يضل به إلا الفاسقين ".
وما يضل به إلا الفسقين وقرئ " يضل به كثير وما يضل به إلا الفاسقون " على البناء للمجهول في الموضعين، ورفع كثير والفاسقون.
والفسق لغة: الخروج، يقال: فسقت الرطبة عن قشرها، أي خرجت.
قال رؤبة: فواسقا عن قصدها جوائرا (2).

(1) سورة محمد: الآية 4.
(2) وصدر البيت: يذهبن في نجد وغورا غائرا، لرؤبة بن العجاج، وقيل لذي الرمة يصف نوقا تمشي في المفاوز، خارجات عن طريق الاستقامة، مجاوزات حده، وبين ذلك بقوله: يذهبن، وروى يهوين، أي يسرعن تارة في مكان مرتفع، وتارة في غور، أي في مكان كثير الانخفاض، فغور نصب على الظرفية
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»
الفهرست