أدنى مكان من شئ ابتدائية متعلقة ب (ادعوا) وكذا إن كان بمعنى التجاوز عن حد إلى حد، لكنه ظرف مستقر وقع حالا، والعامل فيها (ادعوا) أو (شهداءكم).
وقد يقال: كلمة " من " الداخلة على " دون " في جميع مواضعها بمعنى " في " كما في سائر الظروف غير المتصرفة، أي التي تكون منصوبة على الظرفية أبدا، ولا تنجز إلا ب " من " خاصة، قال الشيخ الرضي: " من " في الظرف كثيرا ما تقع بمعنى " في " نحو جئت من قبل زيد ومن عنده، ومن بيننا وبينك حجابا مستورا (1) وكنت من قدامك.
إن كنتم صادقين: في وضع الحال من فاعل (فأتوا) ولهذا لا يحتاج إلى الجزاء، أو جوابه محذوف دل عليه ما قبله ومفعوله محذوف، والمعنى: إن كنتم صادقين أنه من كلام البشر.
والصدق: الاخبار المطابق، وقيل: مع اعتقاد المخبر أنه كذلك عن دلالة أو امارة، لأنه تعالى كذب المنافقين في قولهم: " إنك لرسول الله " (2) لما لم يعتقدوا مطابقته.
ورد بصرف التكذيب إلى قولهم " نشهد " لان الشهادة إخبار عما علمه، وهم ما كانوا عالمين، أو " إن كنتم صادقين " في ريبكم، والصدق في الريب أن يكون ناشئا عن شبهة، لا عن الجحود والانكار. والمعنى: إن كنتم في ريب مما نزلنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا الشهداء للمعاونة ليظهر عجزكم وعجزهم فيزول ريبكم، و ذلك بشرط أن تكونوا من الصادقين في ريبكم، وذلك إذا نشأ عن شبهة، وأما إذا كان من الجحود والانكار فلا يمكن زواله.
وفي الآية دلالة على نبوته (صلى الله عليه وآله)، فإنه كان موفور العقل والمعرفة بالعواقب، فلو تطرقت تهمة إلى ما ادعاه من النبوة لما استجاز أن يتحداهم ويبلغ في التحدي إلى نهايته، بل كان ينبغي أن يكون خائفا من أن يعارض فتدحض