تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٨٠
والثالث: أن الضمير إذا رد إلى المنزل، يكون طلب المعارضة من الجميع، وإذا كان للمنزل عليه يكون طلب المعارضة من واحد منهم، إذ لا معنى لخطاب الجماعة بأن ائتوا بسورة من واحد منكم، بل الطلب بالحقيقة من واحد منهم، كأنه قال:
فليأت واحد منكم بسورة. ولا شك أن طلب المعارضة من الجميع أبلغ من طلب المعارضة من واحد، لجواز عجز واحد وإتيان الجميع بها.
والرابع: أنه معجز في نفسه، لا بالنسبة إلى مثله، لقوله تعالى: " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله " (1).
والخامس: أنه لو كان رجع الضمير إلى العبد، لكان ذلك يوهم أن صدور القرآن عمن لم يكن مثل العبد في كونه أميا ممكن.
والسادس: أن رد الضمير إلى المنزل هو الملائم لقوله:
وادعوا شهداءكم: لان معناه على الوجوه المذكورة فيما بعد راجع إلى (ادعوا شهداءكم) ليعاونوكم أو يشهدوا لكم. وهذا المعنى لا يلائم إلا رد الضمير في (مثله) إلى المنزل.
ولما ترجح عود الضمير إلى المنزل بهذه الوجوه، ترجح أيضا كون الظرف صفة للسورة، لأنه إذا تعلق ب‍ (فأتوا) عاد الضمير إلى العبد، لما تحققته.
و " الشهداء " جميع شهيد، كالظرفاء جمع ظريف، بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة، أو الامام، فكأنه سمي به لأنه يحضر النوادي وتبرم بمحضره الأمور، ومنه قيل للمقتول في سبيل الله: شهيد، لأنه حضر ما كان يرجوه، أو الملائكة حضروه.
قال الجوهري في الصحاح: الشهادة الخبر القاطع، تقول منه: شهد الرجل على كذا، أو شهد له بكذا، أي أدى ما عنده من الشهادة، فهو شاهد، ويقال: شهده شهودا، أي حضره، فهو شاهد. والشهيد: الشاهد، والجمع: الشهداء (2).
فالمراد ب‍ (الشهداء) إما المقيمون للشهادة، والمعنى ادعوا من دون الله شهداء

(١) سورة الإسراء: الآية ٨٩.
(٢) الصحاح: ج ٢، ص 494.
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»
الفهرست