تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٥٧
اتساعات اللغة.
والنكتة، المبالغة، التي ليس في ذكر الأنامل وبعضها، وهي أنهم لشدة الامر عليهم وخوفهم من تقصيف الرعد، يجعلون أصابعهم بالكلية في آذانهم لئلا يسمعوه أصلا، أو لفرط دهشتهم وحيرتهم يفعلون ذلك ولا يدرون ما يفعلون.
وعدم تخصيص ما هو متعين لسد الآذان من الأصابع، أعني السبابة، للإشارة إلى أنه لم يبق لهم من فرط الدهشة والحيرة قوة التمييز بينهما، أو لما في السبابة من معنى السب، ولذلك استكرهوها، فكنوا عنها بالمسبحة والسباحة وغيرهما مما طوى ذكرها، إذ لم يكن لها اسم وراءها يتعارفه الناس في ذلك العهد.
من الصواعق: متعلق ب‍ " يجعلون " ولفظة " من " في أمثال ذلك ابتدائية على سبيل العلية، فيقال: قعد من الجبن. وقد يكون ما بعدها غرضا مطلوبا مما وقع قبلها إذا صرح بما يدل على ذلك، كقولك: ضربت من أجل التأديب، بخلاف اللام فإنها وحدها تستعمل في كل منهما. ويشاركهما في التعليل " في " كما في قوله (عليه السلام): " إن امرأة دخلت النار في هرة ربطتها ولم تدعها حتى تأكل من خشاش الأرض " (1).
والصواعق: جمع صاعقة، وهي قصفة رعد، أي شدة صوت منه ينقض معها شقة - أي قطعة - من نار، وهي في الأصل إما صفة لقصفة الرعد والتاء للتأنيث، أو للرعد والتاء للمبالغة كما في الرواية، أو مصدر كالعافية والكاذبة.
وقرئ (من الصواقع) وليس بقلب من الصواعق، لان كلا من البنائين سواء في التصرف، يبنى على كل منهما كثير من الأمثلة، تقول: صقع الديك، إذا صاح، وصقعه على رأسه وصقع رأسه، أي ضرب صوقعته، وهي موضع البياض في وسط الرأس، وخطيب مصقع أي مجهر بكسر الميم، وهو الذي من عادته أن يجهر بكلامه.

(١) سنن ابن ماجة: ج ١، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب 152، ما جاء في صلاة الكسوف، ص 402، حديث 1265، ولفظ الحديث (ورأيت امرأة تخدشها هرة لها، فقلت: ما شأن هذه؟ قالوا:
حبستها حتى ماتت جوعا. لا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض).
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»
الفهرست