أعني (يجعلون) وإما على جملة (كلما أضاء لهم مشوا فيه).
وكلمة " لو " عند المحققين تدل على ثلاثة أمور: عقد السببية والمسببية بين الجملتين بعدها، وكونهما في الماضي، وانتفاء السبب. ولا دلالة لها على امتناع الجواب، ولكنه إن كان مساويا للشرط الواقع، أو عند المتكلم كما في قولك:
لو كانت الشمس طالعة لكان النهار موجودا، وقولك: لو جئتني لأكرمتك، لزم انتفاؤه. وإن كان أعم كما في قولك: لو كانت الشمس طالعة لكان الضوء موجودا، فلا وإنما يلزم انتفاء القدر المساوي منه للشرط، يعني الضوء المستفاد من الطلوع في المثال المذكور مثلا.
ثم إنه يحتمل أن يكون المقصود هنا بيان مسببه ذهاب سمعهم وأبصارهم لمشيئة الحق سبحانه كما هو شأن الحوادث كلها، لا الدلالة على انتفاء أحدهما لانتفاء الآخر، فلذلك قال بعضهم: (لو) هنا مستعمل لربط جزائها بشرطها مجردة عن الدلالة على انتفاء أحدهما لانتفاء الآخر، فهو بمنزلة (إن) وقد يقال: إنها باقية على أصلها.
وقصد بها التنبيه على أن مشقتهم بسبب الرعد والبرق وصلت غايتها، وقاربت إزالة الحواس، بحيث لو تعلقت بها المشيئة لا زالت بلا حاجة إلى زيادة في وصف الرعد وضوء البرق كما ذكر أولا.
والنكتة في اختيار ذهب بسمعهم وأبصارهم على أذهب سمعهم وأبصارهم قد مر بيانها في ذهب الله بنورهم بلسان أهل الظاهر والباطن.
والمعنى: لو شاء الله أن يذهب بسمعهم بشدة صوت الرعد وأبصارهم بقوة لمعان البرق لذهب بهما، فحذف المفعول لدلالة الجواب عليه. ولهذا تكاثر حذف المفعول في (شاء) و (أراد) ومتصرفاتهما إذا وقعتا في حيز الشرط، لدلالة الجواب على ذلك المحذوف مع وقوعه في محله لفظا، ولان في ذلك نوعا من التفسير بعد الابهام، لا في الشئ المستغرب، فإنه لا يكتفي فيه بدلالة الجواب عليه، بل يصرح به اعتناء بتعيينه، ودفعا لذهاب الوهم إلى غيره، بناء على استبعاد تعلق الفعل به و استغرابه، كقوله: