[أو كصيب من السماء فيه ظلمت ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين (19)] مفردات الطرفين، ومشابهة بعضها مع بعض، فذلك من قبيل التشبيه المركب المسمى عند أرباب البيان بالتمثيل، وهو الذي يهتم به أرباب البلاغة، وكل كلام يحتملها. فذكرهم الأول احتمال لفظي ولا مساغ للذهاب إلا إلى الثاني، وذلك لأنه يحصل في النفس من تشبيه الهيئة المركبة ما لا يحصل من تشبيه مفرداتها.
ولعبد القاهر كلام مشهور في أن اعتبار التركيب في قول الشاعر:
وكأن أجرام النجوم لوامعا * درر نثرن على بساط أزرق (1) - أحق وأولى وإن صح التشبيه بين مفرداته.
قال بعض الفضلاء: تأويل الآية ببعض بطونها أن يقال: مثل المتوسمين بالايمان الرسمي كمثل المستوقدين الذين سبق ذكرهم، حيث تنورت بواطنهم بارتكاب بعض العبادات في بعض الأوقات فتسببوا لما في أنفسهم من النقائص والكمالات، ولم ينفذ فيهم ذلك النور بحيث يتعدى من معرفة أنفسهم إلى معرفة ربهم، بل تنقص ببعض الغفلات، فبقوا متروكين في ظلمات حجب أنياتهم، لا يبصرون ما في الآفاق وما في أنفسهم من لوائح الوحدانية، فهم صم عن سماع ما تنطق به دلائلها، بكم لا يسألونه بلسان استعدادهم، عمي لا يرونه ببعض بصيرتهم، فهم لا يرجعون عما هم فيه من أسباب الشقاوة إلى ما فاتهم من موجبات السعادة.
أو كصيب من السماء: ثم ثنى الله سبحانه في شأنهم بتمثيل آخر ليكون