تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٤٨
بالبطلان لما تقرر في الأذهان من قوة أمر الباطل في بدء الحال واضمحلاله سريعا في المآل.
وإنما قال: " ذهب الله بنورهم " ولم يقل: أذهب الله نورهم كما قرأ بعضهم، لان معنى أذهبه أزاله وجعله ذاهبا، ويقال: ذهب به إذا استصحبه ومضى به معه، فإن الباء وإن كانت للتعدية كالهمزة، إلا أن فيها معنى المصاحبة واللصوق، وذهب السلطان بماله، أخذه، فالمعنى أخذ الله نورهم وأمسكه، وما يمسك فلا مرسل له، وهو أبلغ من الا ذهاب لما فيه من معنى الاخذ والامساك. أما الاخذ فظاهر، وأما الامساك فلما تقتضيه المصاحبة واللصوق.
قال بعض الفضلاء: وعند العارفين النكتة فيه غير ما ذكر. فإن مجئ الله سبحانه بالنور ليس إلا بتجليه باسم النور على المتجلى له، فهو عند تجليه بالنور متلبس به غير منفصل عنه، وكذلك ذهابه بالنور ليس إلا امتناعه من هذا التجلي، فهو يذهب مكتسيا بالنور لا منفصلا عنه، فهو المتلبس بالنور في الحالين، بل هو النور في العلم، لا نور سواه.
ثم أكد ذلك وقرره بقوله:
وتركهم في ظلمت لا يبصرون: ففيه زيادة على ما يدل عليه إذهاب نورهم، من وقوعهم في الظلمة كما وكيفا: أما كما، فلما في الظلمات من الجمعية، وأما كيفا، فلما فيها من تنوين التعظيم وإردافها بقوله " لا يبصرون " فإنه يدل على أنها بحيث لا يتراءى فيها شبحان.
والظلمة: عدم النور مطلقا، وقيل: ما من شأنه ذلك، وقال بعض المتكلمين:
هي عرض ينافي النور، فعلى الأول التقابل بينهما تقابل الايجاب والسلب، وعلى الثاني تقابل العدم والملكة، وعلى الثالث تقابل التضاد. وهي مأخوذة من قولهم: ما ظلمك أن تفعل كذا، أي ما منعك، لأنها تسد البصر وتمنع الرؤية.
وقرئ في ظلمة بالتوحيد، وتوحيدها ظاهر، وأما جمعها فباعتبار انضمام ظلمة الليل إلى ظلمتي الغمام وتطبيقه مثلا. هذا على تقدير أن يكون ضمير الجماعة كناية عن المستوقدين كما هو الظاهر. وأما إذا كان كناية عن المنافقين، فقيل: ظلماتهم:
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»
الفهرست