مضين من شهر رمضان، سنة ثمان، في عشرة آلاف من المسلمين، ونحو من أربعمائة فارس، ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد، وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن المغيرة، قد لقيا رسول الله (ص) بنيق العقاب، فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه، فلم يأذن لهما.
فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت: يا رسول الله! ابن عمك وابن عمتك، وصهرك.
قال: لا حاجة لي فيهما. أما ابن عمي فهتك عرضي. وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال.
فلما خرج الخبر إليهما بذلك، ومع أبي سفيان بني له فقال: والله ليأذنن لي، أو لآخذن بيد بني هذا، ثم لنذهبن في الأرض، حتى نموت عطشا وجوعا. فلما بلغ ذلك رسول الله (ص) رق لهما، فأذن لهما، فدخلا عليه فأسلما. فلما نزل رسول الله (مر الظهران) وقد غمت الأخبار عن قريش، فلا يأتيهم عن رسول الله (ص) خبر، خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، يتجسسون الأخبار، وقد قال العباس ليلتئذ: يا سوء صباح قريش! والله لئن بغتها رسول الله في بلادها، فدخل مكة عنوة، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر! فخرج على بغلة رسول الله، وقال: أخرج إلى الأراك لعلي أرى حطابا، أو صاحب لبن، أو داخلا يدخل مكة، فنخبرهم بمكان رسول الله، فيأتونه فيستأمنونه. قال العباس فوالله إني لأطوف في الأراك، ألتمس ما خرجت له، إذ سمعت صوت أبي سفيان، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، وسمعت أبا سفيان يقول: والله ما رأيت كالليلة قط نيرانا. فقال بديل: هذه نيران خزاعة، فقال أبو سفيان: خزاعة ألأم من ذلك.
قال: فعرفت صوته، فقلت: يا أبا حنظلة يعني أبا سفيان. فقال: أبو الفضل؟
فقلت: نعم. قال: لبيك فداك أبي وأمي، ما وراك؟ فقلت: هذا رسول الله وراءك قد جاء بما لا قبل لكم به، بعشرة آلاف من المسلمين! قال: فما تأمرني؟ فقلت.
تركب عجز هذه البغلة، فأستأمن لك رسول الله (ص) فوالله لئن ظفر بك ليضربن عنقك.
فردفني فخرجت أركض به بغلة رسول الله، فكلما مررت بنار من نيران المسلمين، قالوا: هذا عم رسول الله (ص) على بغلة رسول الله، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب، فقال يعني عمر: يا أبا سفيان الحمد لله الذي أمكن منك بغير