فان قال قائل: إن اللعن قد كان مخصوصا بهم قبل نزول هذه الآية والوعيد على الفعل لا بد من أن يتضمن أمرا مجددا. قيل له: إن لعنة الله تعالى لهم من بعد ظهور هذا الوعيد يكون أزيد تأثيرا في خزيهم وأبلغ في ألم قلوبهم، فتكون الزيادة في ذلك هي المتجددة وهي الفائدة المرادة.
9 - وقال بعضهم: الوجوه ههنا استعارة وتمثيل، والمعنى من قبل أن نضلهم عن طرق الثواب جزاء لما هم عليه من الكفر والعناد، وهذا كما يقول القائل: إن فلانا رد وجهي عن حاجتي وصرف وجهي دون بغيتي، وليس هناك على الحقيقة وجه يصرف ولا يد تصرف، وإنما المراد أنه رده عن طلبته وحال بينه وبين بغيته.
10 - ويجوز عندي في ذلك وجه آخر، وهو أن يكون المراد بالوجوه ههنا غير هذه الأبعاض المخصوصة، بل تكون محمولة على معنيين: أحدهما، أن يكون المراد بها أماثل القوم ورؤساءهم كما يقال: هؤلاء وجوه القوم، أي: المعتمد عليهم من بينهم والمنظور إليهم من جميعهم. والمعنى: من قبل أن نهلك رؤساءكم ومتقدمي دينكم أو نلعنهم، وإنما جاء تعالى بلفظ الطمس كناية عن الاهلاك، لأنه أشبه بذكر الوجوه من لفظ الاهلاك. وهذا من الاغراق في منازع الفصاحة، والاحكام لمعاقد البلاغة. ومما يكشف عن ذلك قوله تعالى بعد ذكر الوجوه: (أو نلعنهم)، ولو حمل الكلام على ظاهره لكان (أو نلعنها)، فقوي أن المراد بالوجوه ما ذكرنا. وقوله تعالى: