فصل (هل لله نفس؟) وربما تعلقوا بقوله سبحانه في أواخر هذه الآية: (ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير)، فقالوا: قد أثبت تعالى له نفسا، وهذه من صفات المخلوقين، وعلامات المحدثين.
وجوابهم عن ذلك: أن المراد بقوله تعالى: (ويحذركم الله نفسه) أي: يحذركم الله عقابه، ويخوفكم نقمته، وأراد تعالى بهذا الاختصاص (أعني: بذكر النفس): تحذيرهم من العقاب الذي يأتي من قبله ويصدر عن أمره، لا العقاب الذي يجريه تعالى على أيدي المخلوقين، ويقع من جهة المسلطين، فان العقاب إذا كان على الوجه الأول كان أبلغ ألما وأشد مضضا، كعقوبات الأمم السالفة: بنحو الطوفان والجراد وعقائم الرياح (1)، وما يجري هذا المجرى، فذلك أصعب من عقوبات الخلائق التي ربما صبر عليها، وتموسك تحتها.
ومثل ذلك ما حكي عن بعض من كان يتعاطى الجلد والقوة: أن بعض السلاطين تقدم به بأن يضرب ضربا مبرحا [2] فصبر على ذلك الألم غير متألم ولا مسترحم، فقامت له بذلك سوق، وطار له اسم في الجلد عظيم، ثم اتفق أن لحقه بعد أيام من الحال صداع: أقامه وأقعده، وأكثر تألمه وتغوثه، فقيل له من صبر على تلك الآلام العظيمة يقلق